أحياناً كثيرة، نتأثر بما يقوله الناس أو يطلقونه من أحكام قاطعة أو آراء حيال عمل قمنا به أو مشاريع لأعمال سنقوم بها، فتتأثر النفوس، دون أن نشغل العقول، ودون أن نعطيها مجالاً للتفكر والتدبر في هذه الأحكام، إن كانت سلباً أو إيجاباً، مزاحاً أو جداً، لذا علينا أن نتحصن بالعقل كثيراً وبالعاطفة قليلاً، فمثل بعض هذه الآراء والأحكام يمكن أن تلغي رغبات الإنسان الحقيقية، ومع الوقت تلغي قابليته ثم شخصيته وكيانه، مرحباً بالأحكام والآراء المجانية، لكن بشرط أن لا تطغى علينا، وتعكر سماءنا، وتسلبنا خصوصيتنا وذوقنا الذي ربيناه طويلاً وتعبنا عليه·
- صديق قد يلغي استمتاعك لمدة ساعتين ببالية بحيرة البجع قائلاً لك: أسميك ما عندك شغل، تضيّع وقتك وفلوسك على شيء لا تعرفه ولا تفهمه ولا مخلّف على جدودك·· هنا حكمه هو على الأشياء، وتعبير عما يحس به وما يجول في نفسه، فتكون عملية الإسقاط عليك وعلى ما فعلت·
- صديق يحضر إلى بيتك الجديد، ويقول بعد أن تجول فيه: بس ليتك وسعّت البوابة، وليتك ما زرعت فيه كل هذه النخيل العوّان وليتك ما صبغته بهذا اللون الرملي·· هنا حكمه وقناعته وذوقه، هو الذي يملي عليه ما قال·
- صديق آخر يمكن أن يرى سيارتك الجديدة، فيعطيك رأيه المجاني وحكمه الذي لن يكلفه الكثير: ليتك يا أخي أخذت السيارة الألمانية الثانية، تراها أوسع وفيها مميزات أكثر ومضمونة خمس سنوات، وتأتي بألوان جديدة غير معتادة، ويوم تريد تبيع، شراؤها عند الباب·
- قد تتعب على عمل تجاري صغير، كمحل لبيع الورد مثلاً، فيأتي صديق محب لك ولا تشك في إخلاصه، ويقول لك: تراك ما تشاور يوم تعمل الشيء، أترك عنك هذا الشغل، تراه ما يناسب أهل البلاد، بيعه أحسن لك، واشتغل بالأسهم، أربح وأكثر قيمة اجتماعية بين الناس·
- تستأنس برأي صديق في ترجيح كفة بلدين مرشحين للسفر هذا الصيف، إما تركيا أو استراليا، فيلغي البلدين، ويرشح لك بلداً ثالثاً، بانكوك مثلاً، لأنها أرخص، وأجمل، ويمكن أن تعمل الفحوص الطبية الدورية·
- يدخل صديق شقتك، وحين يعرف قيمة اللوحة التي تستقر على الجدار، والسجادة التي تفترش الأرض الرخامية، يلومك كثيراً، ويغير رأيه في جمال الشقة، وينهرك بأنك تُخَري غوازيك وكأنك ما ضارب فيها بـ خصيّن فقيمة السجادة يمكنه أن يؤثث بها البيت الشعبي، ويفرشه بكامله بـ الزّل وبدلاً من اللوحة، كان يمكن أن تشتري سيارة أجرة، تكدّ عليك وعلى عجوزك·
- صديق يرى عليك بدلة، فتعجبه، فيسأل عنها وعن نوعها ومن أين اشتريتها، وحين يعرف قيمتها، يمتعض ويصيبه صاهر وفجأة تتحول البدلة إلى خرقة سوداء في عينه، وتظهر عيوبها الكثيرة التي كانت خافية عنه من قبل·