من عادة العرب الأولين والطيبين، أنك إن أرسلت مخرافة رطب، أن لا يرجعونها فارغة، بل تكون ممتلئة بالخير وبالبشائر الصيفية، ولأن العراق أرض الخير الوفير، وأرض النخيل، وأرض العروبة، فقد كنا نأمل أن تعود مخرافة الرطب التي ما زلنا نرسلها كل يوم محملة بأدوات الرحمة والطبابة والعافية، وكل ما يمكن أن يسعد الإنسان هناك، أن تعود محملة بالطيبات، وتزفها السلامات، وإن عادت خالية، فلا بأس، على أن تعود غير حاملة رأس عزيز أو خبراً أليماً·
لم نكن نتوقع أن تمتد أيدي من سولت لهم أنفسهم، الاعتداء على الدبلوماسي الإماراتي وتردي سائقه السوداني، لأنهما لم يكونا في يوم من الأيام يوزعان القنابل أو يزرعان المتفجرات، أو يبثان الرعب والخوف بين الأهالي أو يتاجران بالسلاح، ليتغلب فريق على آخر، كانت كل جهودهما إنسانية، لكي لا يموت شخص على قارعة الطريق وليس هناك سيارة إسعاف تنقذه أو تنقص فصيلة دم وهناك أطفال بحاجة إليها في وقت الشدة ولا يجدونها، كانا ضمن فريق يوزع الأكل وماء الشرب وما يمكن أن يستر الجسد، كانا ضمن فريق كبير يعمل من أجل حماية وحدة العراق، وعدم تشطره أو تقسيمه، كانا في مشاويرهما يمران على مستشفى الشيخ زايد في بغداد، ليعرفا أنه ما زال يستقبل 1500 مريض عراقي يومياً، ويتفقدان ما قد يحتاجه من أدوية وأدوات ومستلزمات طبية، ويرقبان تأهيل المراكز الصحية التي تسعى الإمارات لتشغيلها في البصرة والفلوجة والموصل وتكريت وبقية المدن العراقية·
ولأن الإمارات وهيئاتها الدبلوماسية، كانت لها تجارب مختلفة مع الخطف والقتل والتهديد ومحاولات التفجير والتهديد بمختلف ألوانه في سنوات طويلة مع عمل الإمارات السياسي والخيري وعمل الهيئات الدبلوماسية في مختلف بلدان العالم، وهذه ضريبة دفعناها من أجل المواقف الإنسانية، وما زلنا ندفعها ومن أجل الوقوف مع الحق والقضايا العادلة·
ولأن العراق يعيش في فراغ سياسي وقانوني وأمني، ولأن الأشياء غير واضحة فيه، وغير مبشرة باستقرار حقيقي، ولأن أرضه أصبحت تذروها رياح الحقد الطائفي والتدخل الأجنبي والتعدد العرقي والمذهبي والأطماع التي تحوط بها من كل جانب، فإنه اليوم يحترق بكل ما فيه دون تمييز بين طفل يحلم أن يذهب إلى المدرسة بحقيبة مدرسية جديدة، وبين دبلوماسي يحمل في حقيبته الدبلوماسية أدوية وأقلاماً ملونة للأطفال، وبين شخص يهزه الحقد ويرعده الغل، ولا يرى عدلاً على الأرض، يسلك إلى صحن المسجد ليفجر المصلين وهم ركع سجد، ينشدون رحمة الله ولطفه··