استبشر الجميع بإقرار الإمارات جائزة الدولة التقديرية للآداب والعلوم والفنون مؤخراً، وهي خطوة ثمينة نحو تكريم المبدعين في مختلف الميادين، ونهج حضاري تقدمه الدول للنابغين فيها في كافة المجالات، وهي خطوة وإن جاءت متأخرة، لكن الخير أنها جاءت، واعدة الجميع بالبشائر وبأحلام التقدير، وبقيمة الأشياء الجميلة في الحياة·
لعل مثل هذه الجائزة هي دافع قوي، لكي يستعيد البعض وهجه وتألقه، وخروج البعض من بياتهم الشتوي الذي طال، ومساعدة البعض الآخر على كسر هذا العزوف والكسل، فالكثير من المبدعين عندنا التهمتهم الحياة وضاعوا في إيقاع يومها المثقل بالأعباء والأحمال التي لا تنتهي، فمنهم من أخذته الوظيفة، ومنهم من شعر بعدم جدوى كل الأشياء، ومنهم من غاب لكي ينسى ويُنسي·
إن الكثير من الدول، بدأت جوائزها بشكل أدبي متواضع وبقيمة مالية بسيطة، لكنها اليوم لها من الصيت والسمعة والقيمة المعنوية والمالية الكثير، الأمر الذي يفرح من يفوز بها، لأنها طريق جديد نحو النجومية والشهرة ومزيد من العطاء والمسؤولية·
وبقدر ما تكون الجائزة موضوعية ونزيهة وبعيدة عن الشخصانية والمزاجية والتعصب بكافة أشكاله، بقدر ما خلقت لها سمعتها وقيمتها ومصداقيتها، فهي جائزة عالية المرتبة وتزيد من حمل الإنسان الصادق، وهي مشروع تنافس شريف نحو إعلاء الأدب والعلم والفن وكل ما يجعل لحياتنا لونها وقيمها الأخلاقية، وهي دعوة للاحتفاء بذكرى اتحاد دولتنا على يد بانيه ذلك الفارس النبيل، ذي الأيادي البيضاء مثل وجهه دائماً، ونحو ما كان يفرحه من النهوض بالإنسان المنتج والفاعل والمؤثر في تصحيح سير المجتمع، وما يعتريه من تطور وتغيير نحو الأحسن والأفضل والأجمل·
وإن كانت هناك بلدان فقيرة ولكنها حيّة، قد وضعت للمبدعين فيها جوائز تقديرية مالية ومعنوية، وهيأت لهم المناخ الحقيقي للإنتاج والعمل، لكي تستثمر في الإنسان وتعلو من شأن الناجحين والنابهين من أبنائها، فإن الأجدر بالدول الغنية والناهضة أن تحذو حذو من سبقها من الدول، ويكفي أن نذكّر هنا بالهند فقط، التي بنت مدينة خاصة بالمبدعين والنوابغ فيها، وتعبت على رعايتهم منذ الصغر ومكنتهم من العلم والبحث وراحة الإبداع، وهي حين فعلت ذلك، إنما فعلته من أجل مستقبلها وحضورها الحضاري بين الأمم، ولا أحد يرفع من راية هذا الحضور الإنساني ويديمه، مثلما هم النوابغ والمبدعون والمتميزون في كافة حقول المعرفة·