أتمنى كثيراً أن لا يدخل عليّ شخص في مكتبي وهو يحمل شنطة في يده، لأنه غصباً عني تتداعى ضحكاتي من الداخل، ولا أستطيع أن أتماسك أو أكف عن الابتسام، حتى يعتقد الزائر أنها ابتسامات الترحيب وفرح اللقاء، لكنها في حقيقة الأمر، هي أفكار ذلك الشقي القصصي الذي يسكن الكثير منا، والذي لا يبرح يرمي بأفكاره الصائبة حيناً والشريرة أحياناً، لذا تراه لا يشك في أن الشنطة التي دخلت للتو، ما هي إلا دليل النصب أو عدم الاستقامة، قد يكون هذا الكلام مرفوضاً وفيه بعض الشطط والمغالاة، إلا أن منظرها وهي تضحك داخلة من الباب تسبق صاحبها ومنظر الرجل الذي يتبعها والذي يوحي للآخرين أنه واثق من نفسه كثيراً، لا يدل إلا على عدة نصب موقوتة، ونصاب غير متمرس أو يحاول جهده أن لا تخيب جولاته خاصة الأولى·
حتى الآن وأنا أكتب هذا العمود لا أكف عن الضحك، لأنني أتصور كم شنطة دخلت عليّ، أرى من خلال باب المكتب المفتوح وأضحك، متصوراً كم من شنطة دلفت هذا الباب، وحركت أمعائي ضحكاً وتندراً، الغريب أن الشنطة تعكس على البدلة، وتعكس على وجه صاحبها، فإذا ما رأيتها من البلاستيك المقوى وفيها لمعة سوداء اصطناعية، ومعلق على مقبضها بطاقات غير متضحة المعالم، فأعرف أن بدلة صاحبها مشتراة من التنزيلات أو من سوق الصالحية، من تلك البدلات التي تكتب ماركتها بحروف لاتينية غير متقنة، وأن صاحبها حليق الوجه يغمر خدوده ماء التواليت و لوشن ما بعد الحلاقة، ويبالغ فيه، وإن كانت جلدية رخيصة وغير مدبوغة كما ينبغي للجلد أن يدبغ، فأعرف أنها من تلك التي يأخذها المسافرون عادة على عجل، ولا يدققون فيها كثيراً، ولا يريدون أن يدفعوا مقابلها كثيراً، وأن صاحبها عادة ما يرتب نفسه في آخر لحظة، وقبل المقابلة، وكثيراً ما يستند على حجج وأعذار واهية وفي متناول اليد·
شنطة المدرس فيها شقاء ويتم مبكر وعذابات القرية وشظف العيش وإخلاص لا يتكرر، بينما شنطة المحامي، تشبه قراب الحاوي، أوراق أصلية وأخرى مزورة، وأشياء لا تفيد أحداً، وأشياء قد تنقلب ضدك، تشعرك دوماً أنها تحمل في جنباتها الثلاث ورقات، فيها نزق وتدليس ولعب وتلاعب، تشعرك أنها لا يمكن أن تضحك عليها بسهولة، شنطة الطبيب لا توحي بالخير دائماً، رغم أنها في الغالب توحي لك بالطيبة والإنسانية وأن الأشياء التي فيها لا تضر أحداً، ، شنطة رجل التأمين، تشبه فتيات الأوتو- ستوب ليس شرطاً أن تتوقف لهن، لكن على الأقل ستهدئ من سرعتك، تشعر من لينها أنها يمكن أن تفلت من يديك، وأنها مصنوعة من جلد رقبة البقرة، لأنها لا تكف من الخوار، وتحريك جرس الأخطار، شنطة رجل الأعمال فيها فجور وقسوة غير ضرورية، تشبه امرأة ممتلئة بأسنان ذهبية متفرقة، تشعر أن في داخلها يتربى طفل ما زال يرضـــع النصب حتى لا يريد الفطام·