يولد الطفل العربي، وأحياناً يكون في فمه ملعقة من ذهب، ويولد الطفل اليهودي وغالباً لا يكون في فمه غير ملعقة من وعي، يؤذن في أذن الأول، وتُقرأ في أذن الآخر كلمات من التوراة، ربما يختتن الطفلان في نفس يوم ولادتهما، أو يؤجل الختان حتى اليوم السابع أو السنة السابعة، يُعمل للطفلين أسبوع يسمى الطلوع، ثم تُعمل لهما حفلة أخرى في الأربعين، ويحلق رأساهما ويسمى الخروج، وربما تُحكى لهما نفس القصص، وتهدى لهما نفس الألعاب، ويظلان يحجلان في طفولتهما البريئة، قد يذهبان إلى المدرسة في نفس اليوم، ومن هنا، ستبدأ الفروق في الظهور بين شخصيتيهما، والتي ستكبر مع العمر والعمل·
يوجه الطفل اليهودي إلى أهمية تعلم لغة أخرى، تصبح نافذته على الحياة والعمل مستقبلاً، يتعلم مشاركة والده في مهنته في إجازة الصيف، تترك له مساحة للتأمل ومخالطة الآخر، وكسر حاجز التأتأة، والانفتاح اللغوي، يكبر هذا الطفل بين البيت وعمل والده ومدرسته وتوجه هوايته ومواهبه ونشاطاته وجهتها الصحيحة، حتى يبلغ الحلم باختتام الثانية عشرة من عمره·
الطفل العربي يظل يتردد أهله في ذهابه إلى الروضة أو إدخاله مباشرة إلى مدرسته الابتدائية، هل يتعلم في المدارس الحكومية، أم يدخل إلى مدارس أجنبية؟ الجيران والأصحاب ينصحون بمدارس الحكومة لأنه سيتعلم فيها الدين واللغة العربية، آخرون ينصحون بالمدارس الخاصة لأنها تخرج أجيالاً عمليين، وبلا زحمة باصات المدرسة الحكومية، وتعليم الأستاذ التقليدي·
أياً يكن فقد بدأ بأول الارتباك، يدرس الطفل حتى يختم الابتدائية، والأب قد لا يعرف في أي فصل كان ابنه، فالمهمة تكون ملقاة على الأم، وإن كان ابن نعمة فعلى المربية، يتفنن في إعطائه بعد كل سنة نجاح هدية والتي ستكبر مع عمره، قد يذهب في رحلة عائلية كل عام إلى مدينة بعينها وبلد بعينه، لا يعرف الابن ماذا يعمل الأب، ممنوع عليه الخروج والأسئلة الزائدة، يخوفونه بالشرطة، وبالنار والظلام، يمنع من ممارسة النشاط غير المنهجي، فمرة الموسيقى حرام، والرسم حرام، وأشياء كثيرة في الحياة يراها حراماً، تدفن موهبة الطفل العربي في مهدها من البيت والمدرسة والمجتمع، يبلغ الطفل العربي الحلم قبل أن يصل إلى الثانية عشرة من عمره·
الطفل اليهودي وفي الثالثة عشرة تعمل له حفلة تجمع له من الأموال ما تجعله غنياً، ويؤسس أولى خطواته العملية في الحياة بنجاح، لكنها لا تدفع له مباشرة، تجمع وتوضع في حساب له وتستثمر حتى يبلغ سن الرشد، يزج به في أسفار جماعية، ويتعلم كيف يصغي للحياة، ويعشق العمل، والطفل العربي يتعلم السواقة ويولع بشراء الهواتف، ويعزر على والدته أن تشتري له سيارة قبل الرخصة، وتبدأ مشاوير المقهى والأرجيلة والتدخين في الحمامات، و البخترة في المولات واختراع القصات ومتابعة آخر الأغنيات وأخبار الفنانات، يترك حتى يطرّ شارباه وتنقض لحيته، ويصبح رجلاً محسوباً على المجتمع، بلا موهبة تذكر، ولا أموال مدخرة، ولا وضوح في الرؤية·
منذ حرب النكسة في 5 يونيو 1967 وانقشاع ضبابية الحلم، والجلوس على إسفلت الشارع والواقع العربي وخفوت صوت المعركة التي لا يعلو صوت على صوتها، وإغلاق أجهزة راديوهاتنا على كلام أحمد سعيد قبل أن يختم نشرته الثورية، وحتى اليوم، ولد ملايين الأطفال العرب، واليهود، ولكنهم اختلفوا منذ أول يوم تركوا فيه المنزل متوجهين إلى فصول المدرسة، ودروب الحياة الطويلة·