أسفرت اجتماعات اتحاد الصحفيين العرب المنعقدة في ليبيا عن تلاوة بيانها الختامي الذي انحصر على رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإذا كان الصحفيون لا يعرفون قراءة أوراق المستقبل، فهذه مصيبة كبيرة، وإذا كانوا يصرون على إعادة نص بيان اجتماعهم قبل 25 سنة خلت، فهذه مصيبة أكبر، أتساءل دائماً لماذا نصر أن نحول الاجتماعات المهنية إلى اجتماعات سياسية لها صفة التعدي وتجاوز دورها والانصراف عن هدفها الحقيقي، لقد كان أمام اجتماع الصحفيين العرب أمور كثيرة وشائكة، أهمها توسيع رقعة الحرية والتعبير في أرجاء الوطن العربي، جدلية العلاقة بين الحكومات العربية والسلطة الرابعة، آفاق العمل الصحفي العربي في غد لا نملك تكنولوجيته، ميثاق شرف المهنة وتكريم من سقطوا على الدرب ووضع عائلاتهم، محاربة الجهل بالقراءة المجانية والمتوفرة في ظل مجتمع عربي نسبة الأمية فيه عالية، ونحن في بداية الألفية الثالثة، وأستطيع أن أعد حتى نهاية الأسطر دون أن أذكر موضوع رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني·
جاء وقت كانت أي إشارة غير متفق عليها في لقاء سياسي، يمكن أن تكون لها أبعاد دولية أو أن لون ربطة العنق التي يرتديها الرئيس الفنزويلي قد توحي أن هناك زيادة في أسعار البترول العالمية أو أن اصطحاب بعض المسؤولين خلال زيارة ما، يعني أمراً جللاً، وعدم اصطحابهم أيضاً يعني أن هناك خطراً، ويحلو لأصحاب نظرية المؤامرة في كل شيء أن يفسروا ما بدا لهم سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً، خاصة في لقاءات الرؤساء الكبار، وفي عز الحرب الباردة أو وقت الأزمات السياسية الكبرى، وبالأمس ذكرتني الصورة التي نشرت من لقاء الرئيس الأمريكي والرئيس الصيني وهو يجذبه من كم سترته والآخر بدا منزعجاً ومندهشاً- وهنا اختلف المفسرون على درجة قوة الجذب، بعضهم عادلها بقوة حصان والبعض الآخر قال إنها شدة سياسية قوية لرئيس احدى الدول العظمى- كان حال الصورة يقول ليس من هناك الطريق أو يجب أن تسلك هذا الطريق معي، إلى أين متجه لوحدك؟ في حين كانت تعابير وجه بوش، كأنه وجه طالب ثانوي ضبط متلبساً فجأة، فلا يستطيع نزع يده بسرعة ولا يقدر أن يواصل الشد، هذا المشهد سيقرأه الصينيون بطريقتهم والأمريكيون بطريقتهم الخاصة أو سيعتبرونه تصرفاً طبيعياً جداً وعفوياً، الروس لهم قراءتهم المختلفة، وهم أول من استنطق الصور وأظهر تعابير الوجوه السياسية، إيران لها حسبتها لمثل هذه الجذبة أو هذا التجاذب، اليابانيون سيكتفون بتلك الضحكة التي لا تدل على معنى، فيدل كاسترو سيلوم الرئيس الصيني كثيراً على عدم رده الصاع صاعين لبوش، تماماً مثلما فسر السياسيون والصحفيون والناس البسطاء دفع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات للدخول إلى باب المباحثات الفلسطينية - الإسرائيلية- الأمريكية بالقوة أولاً من قبل بيريز وبوش قبل سنوات مضت·