حين تتراخى الرحى الثقالُ، وتتقلب ثوابت الأيام
حين تنزوي حكايات الأهل من زمنهم الصعب
حين يتساقط الأصدقاء في دروب الحياة الزلقة
حين يتداعى الجسد بالسهر والحمى، ولا رَحِم يصحو للأنين
حين تأكل نار الأنا عشب حدائق الجيران
حين تذرف عاصمة الرشيد دمعها وحبرها
وحاضرة المأمون نضارة عمرها
حين تلجم خيول الفتح المطهمة بالغار وعرق المسافات
حين يعتقل السيف اليعربي في غمده المخملي
حين يختلط الحلم في نهار اليقظة بنبل الشعارات
حين تروّض النفوس الجامحة نحو الكبرياء والكرامات
حين تطرّز العمائم بخيوط الجُبن والمهانات
حين يستفرد الذئب بنعاج القطيع، بادئاً بالقاصية، ولا يكتفي بالدانية
حين ينحرف الخط العربي عن سطره، ويفقد نقاطه وشكله
حين يعتلي المأجور منار الجامع، داعياً بطول عمر الخليفة، لا إعمار البلاد والعباد
حين يبح صوت المنشد، ويرخم صوت النشيد
حين تستغيث أخت الرجال، ولا رجل ينتضي سيفه، ولا شاعر يتأبط شراً القصيد
حين تردد البراري حمحمة الفرسان الغائبين والمغيبين
حين لا يبقى إلا الفراغ والهواء يملأ بطون الجائعين
حين تسخو العواصم بأكبادها، ولا تكتفي بدفنها في طمي الطين
حين يصبح أعوان المرحلة هم المبشرون والمنقذون
وغربان الدلالة هم الهُداة والمرشدون
حين تذوي زهرة المدائن في سجنها الفخّار والحصار
حين تتداعى كل هذه الأشياء على الجسد المنهك بتعب الوطن
ووجع العروبة وتلألؤ بيارق الفتوحات
تصبح الزيارةُ واجبة والركعةُ لازمة، والدمعةُ حاضرة
عند عتبة مقام سيدي وتاج رأسي، وسيف من سيوف الانتصارات
أبو سليمان وعبد الرحمن والوليد، وأخو الماجدات
ذاك الذي حين يحضر ذكره في الكتب المسطّرة، يقشعرّ البدن وتصهل الروح
تصبح النفس مضمخة بمسك العروبة المنسيّ، وطُهر رسالة الدين
حيث لا عطر إلا للكرامة، ولا ضوع إلا للشرف، ولا زهو إلا للرجال
لذا جئته اليوم حافياً، ألتمس نشوة الفخر والثبات
أتنسم ريح وقفة العز، وفجر الحياة
جئته عاصياً بزمني، ألتحف بما تبقى من ستر وقتي
جئته مختضلاً ببرد دمع عيني
واضعاً عند عتبة ضريحه
وصايا الأقدام الحافية
وندم الرؤوس الحليقة الحاسرة
علني لا أشقى بعدها وأبقى، ولعلني أطيب وأبرأ