تكررت خلال الآونة الأخيرة حوادث ترويج أغذية منتهية الصلاحية، ويكشف هذا التكرار من جانب بعض صغار التجار وأصحاب البقالات والمتاجر وغيرهم عن الاستهانة الشديدة من جانب هؤلاء بصحة الفرد والمجتمع، كما يكشف أيضاً عن ضعف الرقابة الغذائية من جانب البلديات وأقسام الصحة العامة في الدولة·
منذ شهور تم ضبط مصنع في إحدى مدن الدولة مهمته ليست تصنيع شرائح الكمبيوتر أو إنتاج أجهزة رقمية أو حتى صناعة كرتونة ورقية بل كانت رسالته المخزية هي تغيير تواريخ الصلاحية على بعض المواد الغذائية، وهنا نكون أمام جريمة متعددة الأركان فالشق الأول منها والأساسي هو ذلك المصنع الذي حصل على ترخيص من البلدية وغرفة التجارة لممارسة عمله، وبالطبع فإن النشاط الذي تم بموجبه منحه الترخيص يختلف تماماً عن جريمة تزوير تواريخ صلاحية المواد الغذائية التي يرتكبها في وضح النهار·
أما الابعاد الأخرى في هذه الجريمة فهي ترتبط بالمستفيدين من التزوير ومن بينهم عدد من التجار الصغار وبعض أصحاب البقالات وهؤلاء عادة تكون لديهم علاقة قوية بالمسؤولين عن هذا المصنع بحيث يكونون جميعاً شركاء في هذه الجريمة على طريقة العصابات الاجرامية التي تسرق وتنهب وتستولي على أموال الآخرين·
أما البعد الخطير في قضايا ترويج الأغذية الفاسدة فهو الرقابة فهي غائبة بصورة أو أخرى، فإذا تحدثنا على مستوى المدن الكبيرة فإن الرقابة الغذائية مجرد مظهر أكثر منها جوهر إذ تعاني معظم البلديات من نقص شديد في الكوادر البشرية المتخصصة في هذا الصدد· بالإضافة إلى أن معظم العاملين فيها من غير المؤهلين والأكثر من ذلك أن عدداً منهم لا يتمتع بالرضا الوظيفي حيث يعمل بعضهم بنظام المياومة وبالتالي فإنه إذا غض البصر عن هذا المتجر أو ذاك يستطيع الحصول على راتب أكبر من بيزات المياومة التي لا تتعدى 2000 درهم شهرياً·
هناك بقالات ومتاجر صغيرة في القرى والمناطق البعيدة وهذه لا يصلها مفتش مواد غذائية وإذا وصلها كان خبر وصوله منتشراً قبل أن يقلع من بيته، وفي هذه الحالة فإن ضعاف النفوس من مسؤولي هذه البقالات يحملون البضاعة الفاسدة خارجها وبعد مرور المفتش يحضرونها مرة ثانية، وبالطبع هناك عشرات الشواب من أهلها لا يتحرون الدقة في مسألة تاريخ الانتاج أو الانتهاء للمواد الغذائية·
بالطبع ليست هذه عناصر الصورة بأكملها بل هناك تفاصيل أخرى في مقدمتها غياب الوعي أيضاً إذ أن المستهلك الواعي هو الذي يفرض جودة السلعة على المنتج ومن الثابت في علم الاقتصاد أن وعي المستهلك وحرصه على اختيار سلعة ذات جودة عالية يدفع المنتج إلى تطوير عمليات الانتاج وتجويدها بحيث تكون عند مستوى طموح المستهلك، والعكس صحيح إذ أن المستهلك الذي يدخل السوبرماركت ويحمل في العربانة ما يحتاجه وما لا يحتاجه دون تدقيق من جانبه في جودة السلعة أو تاريخ انتهاء الصلاحية أو حتى العناصر المكونة لها، هذا المستهلك يفتح شهية المنتج على رفد السوق بسلع وبضائع منخفضة الجودة·