لا تزال أصداء الأزمة التي فجرتها الصحيفة الدنماركية بنشرها رسوماً مسيئة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم مستمرة وقد فتحت هذه الأزمة الباب على مصراعيه لبيان الخلل الذي يشوب العلاقة بين الشرق والغرب، ومن بين ما كشفته هذه الأزمة أننا ما زلنا كعرب ومسلمين نتعامل مع رد الفعل ولا نبادر باتخاذ الخطوة الأولى، فالخطوة الأولى التي كان ينبغي اتخاذها منذ قرون هي فهم الآخر من ناحية وترويج حضارتنا وقيمنا وتقاليدنا في المجتمعات الغربية بالصورة والكيفية التي يفهمها الغرب وليس كما نفهمه نحن·
إن هذه الأزمة كما سبق وذكرنا ترتبط بعدد من العوامل منها إهمال الترجمة وضعف الاعلام العربي، وكذلك ضعف الدور الذي كان ينبغي على المنظمات العربية والإسلامية ومنظماتها وهيئاتها القيام به، فما نعرفه أن الإعلام العربي لا يزال يُخاطب نفسه بل إنه في معظمه (فشل) في مخاطبة جماهيره العريضة وتركز الخطاب على فئة أو شريحة محددة·
من يُتابع أعمال المنظمات العربية والإسلامية يُدرك أن هذه المنظمات لا تعي دورها جيداً ولا تقوم بالحد الأدنى من الدور الذي ينبغي القيام به، عددٌ كبير من العاملين في المنظمات الإسلامية والعربية في الخارج لا يعرفون من المجتمع الذي يعيشون فيه سوى مطعم يقدم وجبات عربية، وجزار يبيع لحوماً مذبوحة وفقاً للشريعة الإسلامية، وسوبر ماركت يشتري منه أغراض البيت وحديقة يتنزه فيها الأطفال·
سنوات طويلة مرت على هؤلاء الذين يفترض بهم أن يكونوا جسراً للتواصل الحضاري بين الشرق والغرب فإذا بهم يقفون عند الحد الأدنى ولا يتجاوز تقريراً يرسله أحدهم طلباً للمساعدة في بناء مسجد، أو كفالة لاجئين تقطعت بهم السبل في الغرب·
حتى الآن لم نفهم كثيراً من قيم وتقاليد الغرب، فإذا كانت الصورة هكذا فإن العلاج الوحيد لهذه الأزمة ليس في لطم الخدود ولا شق الجيوب، وليس في تلك الشعارات التي يرفعها البعض مدغدغاً فيها المشاعر والعواطف ومستثمراً مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم التي تترعرع في قلوبنا جميعاً، وإنما العلاج يجب أن يبدأ من خلال استراتيجية مدروسة تنهض بها منظمات وهيئات تعي تحديات العصر، لا تلك الهيئات والمنظمات التي ينتظر منتسبوها رواتبهم باليورو، والدولار، ولا يقدمون شيئاً، فالدور المنتظر هو بناء جسور يمكن للآخر من خلالها فهم الإسلام وتقاليده وقيمه ورسالته السامية، وقد يتأتى هذا من خلال إنشاء كراسي أكاديمية في عدد من الجامعات الغربية لتدريس الحضارة الإسلامية والعربية، وأيضاً من خلال توجيه رسائل إعلامية منتظمة وصادقة بعيداً عن أساليب الدعاية الفجة التي يتبعها البعض نخاطب من خلالها شرائح معينة في المجتمعات الغربية·
ولعل تحلي المسلمين بالسلوك القويم خلال إقامتهم في المجتمعات الغربية وحرصهم على نقل صورة صحيحة وواعية ومتطورة للإسلام في هذه المجتمعات هو المحور الأكثر فعالية في استراتيجية العلاج المنشودة·