الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الشورى والدولة العصرية وميراث الأجداد (2-4)

31 يناير 2006

عرض - خالد عمر بن ققه:
يعتبر كتاب' زايد ··والمجلس الوطني الاتحادي 'دراسة جادة للأوجه المختلفة للتفاعل الفكري والسياسي بين الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - رحمه الله - وبين مؤسسة المجلس الوطني الاتحادي، وينتقل الكتاب من الجانب الفكري إلى الجانب التطبيقي من خلال الممارسة العملية تجاه مجمل القضايا المحلية والعربية والدولية·على حد ماجاء في المقدمة التي كتبها ' محمد سالم المزروعي' ـ الأمين العام للمجلس الوطني الاتحادي- مؤكدا فيها على جملة من القضايا أهمها : فكرة الكتاب ـ نفسه ـ النابعة من الادراك الواعي لما حققته دولة الإمارات بفضل منهج ورؤية الشيخ زايد، ، وسعي الكتاب لسد النقص الموجود في المكتبة والذاكرة لتلك العلاقة التفاعلية بين الشيخ زايد وبين المجلس الوطني الاتحادي - وهذا نوع جديد من الدراسة يساعدنا على مزيد من الفهم لتجربة الرجل الحكيم والقائد ' الشيخ زايد '- و تدرج الكتاب عبر دوائر ثلاث متضمنة قضايا كانت ولا يزال البعض منها موضعاً للنقاش وميداناً لإعمال المواقف- سنأتي عليها تفصيلا في هذال العرض ـ و أن هذا الكتاب يمثل جهود أقلام مخلصة للإمارات وطناً ولمستقبلها إيماناً ولنهجها الحضاري أسلوباً·
على هذا النحو - يبدو الكتاب الذي بين أيدينا جهدا متميزا ونوعيا أيضا ليس فقط كونه يأخذ أهميته من أفعال ومواقف الشيخ زايد- رحمه الله -ولكن لأنه يعتبر فكره ومنهجه وعاء حضاريا يستوعب الأجيال ، مؤكدا ذلك من خلال توجيهاته للمجلس الوطني الاتحادي ، فقد كان سباقا - رحمه الله- لإحداث التغيير دون حاجة إلى تدخل أو ضغط مما أكسب الإمارات حصانة ، خصوصا أن رؤيته الثاقبة جمعت بين الأصالة والمعاصرة ·· سنتابع هذا كله ضمن أربع حلقات ، معتمدين أسلوب الاتحاد في عرض الكتب
تناولت الحلقة الأولى من هذا العرض فكر الشيخ زايد -رحمه الله- في أبعاده الوطنية والقومية والإنسانية مع التركيز على قضايا الأصالة والمعاصرة ، وعلاقة كل ذلك بالمجلس الوطني الاتحادي ، غير ان رؤيته الثاقبة تبلورت ضمن منهج مكّن للوؤسسات القيام بدورها ·· فكيف كان هذا المنهج وما تجلياته ، نتابع التفصيلات فيما يلي :
يذهب الكتاب إلى الكشف عن منهج الشيخ زايد- رحمه الله - بقوله : لقد أراد بتشكيل المجلس الاستشاري الوطني لإمارة أبوظبي أن يربط بين شورى الآباء والأجداد التي تعلمها عنهم إرثاً قبل ولادة مؤسسات الدولة العصرية، وإدارة الحكم المعاصرة، واختار أعضاء المجلس الاستشاري الوطني لإمارة أبوظبي بطريقة ذكية بحيث يمثل أعضاء هذا المجلس جميع شرائح المواطنين على اختلاف مشاربهم وأعمارهم وثقافاتهم، ولكي يقوم هؤلاء الأعضاء بمهامهم على أكمل وجه شكلاً ومضموناً لا شكلاً فقط، أعطاهم الحصانة الكاملة بقوة وحماية القانون، وأفهمهم أنهم شركاء في الحكم والمسؤولية، وقال لهم : نحن بالشورى نعيد ماضي أسلافنا مع الحاضر، لقد أجمعنا الرأي على أن تتحملوا معنا مسؤولية الحكم، إن مبدأ الشورى الذي استمر في هذا البلد مئات السنين سوف يظل باقياً أبد الدهر ·
ومن هنا، فقد كان للمغفور له رؤية عميقة لدور المجلس في تحديد معالم التطور، والمشاركة في صياغة مفرداتها جنباً إلى جنب مع السلطة التنفيذية، لأن بناء الوطن- كما كان يؤكد سموه- هو مسؤولية الجميع، أفراداً وجماعات، ولا بد من أن تتكاتف الجهود لتحقيق رفعته وازدهاره، ليقطف الجميع ثمار هذا التطور والرخاء·
ومن هنا أيضاً، كان سموه - رحمه الله- حريصاً على حضور جلسات افتتاح الفصول التشريعية المختلفة للمجلس الوطني الاتحادي، وعلى الالتقاء بالأعضاء، وكان لا يبخل على هذه المؤسسة الدستورية بتوجيهاته الحكيمة وتشجيعه للأعضاء للعمل والمثابرة في تحمل المسؤولية، وخدمة الوطن والأمة·
الوميض ··والشاطئ
لم يكن سموه - رحمه الله- يتواصل مع هذه المؤسسة الوطنية كنوع من الممارسة البروتوكولية الشكلية، بل كان يدرك في داخله عظم المسؤولية الملقاة على أعضاء المجلس، والدور الحيوي الذي يمكن لهم أن يلعبوه في تعزيز مسيرة البناء والتطور على المستويين الداخلي والخارجي·
لذلك فإن العلاقة الوثيقة التي ترسخت بين سموه - رحمه الله- ومؤسسة المجلس الوطني الاتحادي على مدى أكثر من ثلاثة عقود، كانت بالفعل علاقة عبقت بتقدير واحترام أعضاء المجلس للقيادة الفذة لسموه - رحمه الله- وبحكمته الثاقبة، وقدرته على تلمس طريق السلامة في بحر الظلمات الهائج، ليصل دائماً بوميض حكمته إلى شاطئ الأمان والاستقرار· وكانت تلك العلاقة أيضاً تنبض بثقة القائد - رحمه الله - بقدرة أبنائه على النهوض بالوطن، وتحمل مسؤوليات العمل في إطار من التشاور والتواصل المستمر بين أفراد الشعب وممثليهم في المجلس من جهة وبين السلطة التنفيذية من جهة أخرى ، وقد أكد المغفور له الشيخ زايد على ذلك منذ انطلاق دولتنا الفتية وبالتحديد في خطابه أمام المجلس الوطني الاتحادي في 13 نوفمبر عام 1972 على أن أعضاء المجلس كلهم من أبناء الشعب، ويستطيعون أن يعبروا بكل حرية عن آرائهم ·مع بداية سنة 2005 ،أنهى المجلس الوطني الاتحادي 33 عاماً من العمل البرلماني المتواصل، مؤكداً أن إنشاءه لم يكن وليد لحظة تاريخية مؤقتة، وإنما جاء وفق قرار سياسي حكيم، ليبقى وليستمر وليتطور مع تطور مؤسسات الدولة الاتحادية· وعلى امتداد أكثر من ثلاثة عقود انبثقت تجربة المجلس الوطني من مبادئ الشورى التي وجدت جذورها الأولى في تاريخ المنطقة، وقيمها، وممارسات أهلها، حيث ترسخت مفاهيم الشورى والحوار في نفوس الجميع، واتخذها القادة منهجاً لهم في قيادة العمل الوطني· ومنذ انطلاقة عمل المجلس الوطني في الدولة عام 1972 وحتى الوقت الحالي يمكن الخروج بعدة حقائق أساسية أهمها:
- أن المجلس الوطني كان أحد المؤسسات السياسية التي رسخت وجسدت لأحد أهم مبادئ الممارسة السياسية لفكر- المغفور له - الشيخ زايد وإخوانه أصحاب السمو حكام الإمارات، حيث جاء إنشاء المجلس بلورة لقناعة سموه بجدوى المشاركة السياسية للمواطنين في قيادة العمل الوطني وتحمل مسؤولياته·
- أن المجلس الوطني عاصر وشارك بفعالية في جميع المراحل التاريخية التي عايشتها الدولة الاتحادية ابتداء بفترة التاسيس في السبعينات والثمانينات ووصولا إلى التسعينات وبدايات القرن الحادي والعشرين ، وهي فترة التنمية والازدهار في جميع مجالات الحياة في الدولة ، حيث شكل المجلس مع باقي المؤسسات الدستورية ملامح الدولة الاتحادية الأولى ، ولترتقي الدولة ولتصبح عضوا فاعلا في نطاقها الإقليمي والدولي·
الدارس لتاريخ المجلس ليلمس بعداً آخر ساهم المجلس في تكريسه وليستنتج حقيقة أساسية أن المجلس جاء داعماً لمبادئ السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة في كافة المحافل البرلمانية الدولية، والتي تقوم على توثيق أواصر الصداقة والتعاون مع جميع الدول والشعوب على أساس المواثيق الدولية والمصالح المشتركة، كما واكب المجلس نهج الدولة في الانفتاح على العالم الخارجي ابتداء بانضمامها إلى منظمة الأمم المتحدة في ديسمبر 1971 وقبل ذلك انضمت الدولة إلى جامعة الدول العربية لتصبح فيما بعد عضواً فاعلاً في العديد من المنظمات والهيئات على المستوى الإقليمي والدولي·
زايد ·· وريح الصباح
لنعد مرة أخرى لمنهج الشيخ زايد في الحكم وإقامة المؤسسات ، والتي جاءت موضحة في الكتاب على النحو التالي: لقد ترعرع المغفور له الشيخ زايد على القيم والمبادئ الإسلامية الحنيفة، وتربى على الحكمة في مجلس والده الشيخ سلطان بن زايد - رحمه الله - ، وتبلورت شخصيته الفذة حين كان ممثلاً للحاكم في مدينة العين، فتبوأ بسرعة فائقة مكانة في قلوب أبناء قومه الذين راحوا يحملونه على أكف محبتهم وولائهم إلى سدة الزعامة· وهذا ما لاحظه المؤلف البريطاني النقيب أنتوني شيبرد في كتابه (مغامرة في الجزيرة العربية) حين قال : إن زايد رجل يحظى بإعجاب وولاء البدو الذين يعيشون في الصحراء، وهو بلا شك أقوى شخصية في الإمارات المتصالحة، لقد كان واحداً من العظماء القلة الذين التقيت بهم· ويتطابق في وصفه مع وصف المؤلف البريطاني العقيد بوستيد في كتابه ريح الصباح إن زايد رجل مرموق يحيطه البدو بالاحترام والاهتمام، إنه لطيف الكلام دائماً مع الجميع، سخيّ جداً بماله ·
ومنذ اللحظة الأولى لتوليه منصب ممثل الحاكم في مدينة العين، بدأ الشيخ زايد تطبيق مبدأ التشاور مع أبناء شعبه، ومن يدرس مقومات الشورى التي انتهجها القائد الخالد سيدرك كامل فلسفة الشورى التي انتهجها زايد الخير في فلسفة بناء الدولة والمجتمع التي صهرت عمليتي بناء الإنسان والعمران في مسارين متوازيين·
لقد قرر الشيخ زايد أن يطبق تلك الفلسفة وفي نصب عينيه تحقيق هدف نبيل من شأنه أن يخدم الوطن وأبناءه، لذلك وضع خطة دقيقة لتطوير نظام الريّ والسقاية في مدينة العين تعتمد على خطوتين رئيسيتين: الأولى إصلاح الأفلاج القديمة في مدينة العين، والثانية تتمثل في حفر أفلاج جديدة لتوسيع شبكة الريّ والسقاية في زراعة الأرض·
وتتضح رؤية المغفور له في تطبيق مبدأ الشورى حين عرض على أبناء شعبه في مدينة العين فكرة تحرير مياه الريّ والسقاية وإلغاء قوانين تجارتها التي كانت سائدة ،وأدرك أبناء شعبه في العين صدق نيته الطموحة لتحقيق مقولته الشهيرة (أعطوني زراعة أضمن لكم حضارة)
ومنذ اللحظة الأولى لتوليه مقاليد الحكم في أبوظبي دأب على إرساء قواعد الإدارة الحكومية وتنظيمها على أسس عصرية، وكان يدرك أن عليه في الفترة بعد عام 1966م أن يبني مجتمعاً جديداً للأجيال القادمة وليس لسنوات محدودة مقبلة·
ومنذ السادس من أغسطس عام 1966م وفي موقع المسؤولية حدد - رحمه الله-نظرته إلى حقيقة المشاركة الشعبية، فبادر إلى تكوين مجلس التخطيط في إمارة أبوظبي· وقد يظن الكثيرون ولأول وهلة أن هذا المجلس شيء فريد في حياة إمارة أبوظبي، ولكن الأمر ليس كذلك، فقد سار المغفور له الشيخ زايد على تقاليد الآباء والأجداد، حيث اعتاد حكام أبوظبي أن يجمعوا حولهم شيوخ القبائل وأصحاب المعرفة والدراية على شكل مجلس أو هيئة يستشيرونهم في الأمور المهمة·
يضيف الكتاب : استناداً إلى كل ما ذكرناه آنفاً فقد كان للدعم اللامحدود الذي أولاه المغفور له الشيخ زايد لأعمال المجلس الوطني، وحرصه وإخوانه الحكام على افتتاح الفصول التشريعية المتعاقبة منذ بداية المجلس، أكبر الأثر في دعم أركان دولة الاتحاد وتقويتها، من أجل تحقيق المكاسب الحقيقية لشعب الإمارات، ورفع اسم الإمارات شامخاً عالياً في جميع المحافل العربية والدولية·
إن الدور الإيجابي الذي لعبته هذه المؤسسة الدستورية في تنفيذ رؤية القائد المغفور له الشيخ زايد في بناء دولة الاتحاد وترسيخ الجبهة الداخلية، وتوفير حياة ملؤها الرخاء للمواطنين، والانفتاح على العالم برسالة من السلام والتعاون، ومناصرة المظلومين، ومكافحة التعصب والإرهاب، وإبراز الوجه الحقيقي للحضارة العربية الإسلامية التي تعتز دولة الإمارات العربية المتحدة بالانتساب إليها هي إحدى المؤسسات التي رعاها المغفور له وحملها مسؤولية المشاركة في التنمية، وتمثيل الشعب والأخذ بيده نحو حياة العزة والرفاهية والكرامة·
من ناحية أخرى فإن قدرته الدبلوماسية قد ساعدته على إيجاد قنوات متعددة لهذا التواصل، منها متابعته لأعضاء المجلس الوطني واستماعه لهم ومناقشته لقضاياهم· ومنذ اللحظات الأولى التي تسلّم بها المغفور له مقاليد الحكم، أدرك قيمة المشورة وتبادل الرأي في ما يخص قضايا الناس والوطن، فأنشأ مجلس التخطيط الذي جمع فيه شيوخ القبائل وأصحاب الخبرة ليناقشهم في آرائهم، وليستمع إلى ما يذهبون إليه من أفكار لتلبية حاجات الناس، وتقديم أفضل الخدمات لهم، تحقيقاً لحلمه الكبير في قيام دولة عصرية لها خصوصيتها الثقافية والروحية، تعتز بتراثها، وتتقبل بكل رحابة صدر ما جاءت به عقول البشر في مجالات المعرفة والتكنولوجيا دون أن يؤثر ذلك على الهوية والانتماء والثقافة·· فالشورى من أهم ما ترسخ في عقل وقلب المغفور له، وهو نهج ارتضاه في الحكم، وأسلوب طبقه في إدارة البلاد·
ولكي يأخذ هذا النهج بعده ودوره الحقيقي كان لا بد أولاً من تلمس احتياجات المواطنين والتي هي من أهم الركائز الأساسية التي اهتم بها المغفور له الشيخ زايد، حيث كان يتابع باهتمام أعمال المجلس الوطني الاتحادي، والذي كان يرى فيه وجه الأمة يسمع من خلاله نبضها، ويتعرف على فكر ورأي أبناء وطنه، ويقف على وجهات نظرهم، والآراء التي تدور في فكرهم، وعلى لسانهم· كان المغفور له يرى في المجلس عوناً للحكومة للقيام بواجباتها، وشريكاً لها في المسؤولية الوطنية، وعاملاً على تحقيق التوازن بين السلطات المختلفة في الدولة لذلك كان حريصاً على التأكيد دوماً على أهمية دور المجلس باعتباره يضم نخبة من أبناء الإمارات الذين يعتبرهم الأمل في مواصلة المسيرة حيث قال عنهم : إن أعضاء المجلس الوطني الاتحادي هم أبناء وإخوان، يجب الاعتماد عليهم والأخذ برأيهم وعليهم مسؤولية كبرى تجاه الأمة وتجاه هذا الوطن وعليهم أن يتابعوا كل كبيرة وصغيرة ويتعاونوا على ما يرونه صحيحاً حتى يصبحوا عيوناً ساهرة على كل ما يمس إخوانهم وأبناءهم من ضرر، ويكونوا الحرس الأول والحامية قبل أن يأتي الضرر ·
الكبرياء الوطني
هذا التجاذب المسؤول بين القائد وممثلي الشعب وفر لمجتمع الإمارات أرضية خصبة في مجالات عدة، إذ أشاع فيها روح الشورى وتبادل الرأي قولاً وعملاً، وحث على تحمل المسؤولية، فقيادة الأمة لا تكون بتعصب للرأي، أو إملاء من أعلى إلى الشعب، وإنما تكون- كما أرادها المغفور له- أخذاً وعطاء، ومسؤولية يشارك بها الجميع، ورأياً يقلبه أعضاء المجلس من كل جانب، يتبنون ما هو خير لهذه الأمة، ويطلب منهم وفق خبراتهم وما يمثلونه من شرائح اجتماعية أن يعطوا الرأي السديد الذي ينتج عملاً مفيداً لكل المجتمع·
إن الشورى التي عرفها المغفور له تعني المسؤولية، بكل ما في المسؤولية من معاني الالتزام، والعمل الدؤوب، والمتابعة، والمحاسبة، أما الأهداف فهي واضحة في كلمته - رحمه الله - إذ كل أعضاء المجلس يجب أن يتوجهوا في آرائهم وقراراتهم فيما يقود إلى عزة ومنعة وتقدم ورفاهية الوطن· وفي دور الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي الأول قال المغفور له الشيخ زايد: إن اجتماع مجلسكم الموقر هو استكمال للمؤسسات الدستورية التي نص عليها دستور الاتحاد وهو البداية الحقيقية للمرحلة الجديدة التي تقبل عليها دولتنا الناهضة ·
إن الشورى والحرية عند المغفور له الشيخ زايد بمثابة الواجب الوطني الذي يجب أن يطالب به كل فرد من أفراد الشعب فها هو يقول لنا: إن كل فرد من أبناء هذا الشعب حر، وكل من لا يطالب بالحرية فهو مقصر في أداء واجبه الوطني·
وكانت العادات والتقاليد في مجتمع الإمارات تمد الحرية بشرايين القوة والنماء، فالشعب وقادته كانوا أشبه بالقبيلة الواحدة تجمعهم مجالس وندوات تدور فيها الأحاديث المتنوعة، وتعرض الشكاوى، وتحسم القضايا، وتجرى المناقشات حول الشؤون والمصالح العامة، ولذلك لم يكن غريباً أن نستمع في قاعة المجلس إلى مداخلات من النقد الموضوعي لمواقف وقرارات أو سياسات اتخذتها الحكومة، وهذه المداخلات من النقد الموضوعي تطرح في قوالب صريحة غير ملفوفة بدهاء أو ذكاء، أو مواربة، إنها تحمل الرأي بشجاعة ومسؤولية، وبغيرة وطنية، وبحرص صادق على مصالح الوطن والمواطنين، وبرغبة أكيدة في الإصلاح والتقويم ·
كما أن المغفور له الشيخ زايد قد طبق هذا المبدأ مع القبائل وفروعها بمن فيهم شيوخ العشائر والشخصيات البارزة فيها بما يتفق مع عادة أضفى عليها الزمن جلالاً، وهي التزامه باستشارتهم بشكل دائم وجادّ·· وقد كانوا يشعرون بحرية في تقديم وجهات نظرهم له في أي موضوع مهم يتعلق بسياسة الدولة أو أي موقف·
وهذا ترك لديهم انطباعاً بأنهم يشاركون من ناحية في القرار ولكونهم مصدر ثقة من ناحية أخرى، وقد نما هذا الشعور باتجاه حب الوطن والغيرة عليه، لكن يبدو أن الأحداث الرئيسة في تاريخ دولة الإمارات العربية القريب قد قوت وظيفة التوحيد التي تقوم بها إدارة الدولة المركزية إحساساً بالكبرياء الوطني·
لقد ترسخت على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الممارسة البرلمانية للمجلس الوطني الاتحادي قواعد متينة لنهج الشورى حيث أكد المغفور له الشيخ زايد في افتتاح دور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الثاني عشر في 30 يناير 2000 بقوله: لقد عكس مجلسكم الموقر على مدى ثلاثة عقود من العطاء الصادق صورة مشرقة لمفهوم التلاحم الوطني والمشاركة الإيجابية الواعية في ترسيخ نهج الشورى الذي ارتضيناه خياراً حتمياً في مباشرة مسؤوليات الحكم على هدى مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف وشريعتنا السمحاء·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©