يقف جموع حجاج بيت الله الحرام اليوم على صعيد عرفة الطاهر،شعثا غبرا، وقد جاءوا من كل فج عميق، ملبين النداء، وهم يقيمون أحد أركان الدين الحنيف· يتأمل المرء هذه الجموع، وقد احتشدت في واحد من أكبر مظاهر وحدة المعتقد الذي صهر كل هذه الأعراق والأجناس والألسن يوحدون ويتضرعون لرب العرش العظيم·
مظهر تتجلى فيه وحدة وعظمة هذا الدين والأمة التي خلقها رب السموات والأرض أمة وسطى، يتساوى في ذلك المقام الغني والفقير، الوزير والغفير، الأبيض والأسود، العربي والأعجمي، مظهر يعبر عن سمو ورفعة هذا الدين العظيم برسالته، وما أراد للمسلمين ان يتربوا عليه من سماحة وتسامح وتعاون·
وفي هذا اليوم العظيم الذي يعد أهم مناسك الفريضة ، بل الحج كله، وفي أكبر واضخم مؤتمر للمسلمين، يوجه ضيوف الرحمن أهم رسالة للكون كله عن وحدة صفهم واجتماع كلمتهم، وهم بحاجة ماسة اليوم لتعزيز هذه الوحدة، لا سيما وهم يدركون حجم الأذى الذي لحق بهم من جراء افعال فئة ضالة محسوبة للأسف على الإسلام والمسلمين وهو منهم براء· أولئك الذين استباحوا المحرمات وغدروا بالعهود والمواثيق، وروعوا الآمنين المطمئنين، وسفكوا دماء الأبرياء، وقتلوا النفس التي حرم الله قتلها إلابالحق·
وفي هذا اليوم المبارك نرفع الأكف متضرعين للواحد الأحد الفرد الصمد أن يوحد كلمتنا على الحق، ويقي بلادنا وسائر الأوطان شرور الضالين والمنحرفين، ويحمي دينه، ويردنا إليه ردا جميلا، وأن يوفق حكامنا لما فيه الخير والصلاح· وان يعيد علينا يوم عرفة وقد اطمأنت القلوب، وعادت الحقوق، وصلحت الأمور ، وفي حال من افضل الأحوال، انه نعم المولى ونعم النصير·