من لا يعرف الآنسة جير ترد ديرك لا يعرف جزءاً مهماً من تاريخ الإمارات، كثيرون مروا من هنا ولكن الآنسة ديرك كانت ولا تزال حريصة على أن تترك بصمتها للتاريخ، هذه الآنسة التي جاءت من أقصى الغرب في رحلة الى الخليج العربي لم تكن تدرك في يوم من الأيام أن رحلتها ستطول، وأن أيامها التي كانت تفضل أن تكون معدودة تجاوزت الأربعين عاماً أو أكثر·
قصة الآنسة ديرك هي قصة مهمة من عمر الوطن، فهي قصة حقيقية بالأبيض والأسود، تعكس حجم الجهد الذي بذله المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد طيب الله ثراه في النهوض بهذا الوطن من لاشيء وتدشين تجربة فريدة في عمر الإنسانية والعالم قلّ أن يجود الزمان بها، منذ 19 عاماً باليوم والثانية التقيت بالدكتورة لطيفة، هكذا ينادونها في العين دار الزين لا أحد يعرف الآنسة ديرك، بل الأطفال والنساء والكبار كلهم يعرفون الدكتورة لطيفة، فقد اختاروا لها هذا الاسم لسهولة نطقه وتداوله بينهم، ومنذ أيام رأيتها تمشي بالقرب من واحة العين، كررت نفس الكلام وكأنها ترى صورة واضحة المعالم مرسومة في مخيلتها عن العين والإمارات والخليج·
قالت لي الدكتورة لطيفة: ما فعله المرحوم الشيخ زايد يعتبر معجزة بكل المقاييس، فالرجل كان قائداً بالفطرة، ومن يعرف الشيخ زايد عن قرب يعرف التسامح في أسمى صوره، ولعل رحلتي الطويلة الى هنا تحمل كثيراً من الدلالات حول هذا التسامح، فقد جئت الى الإمارات عن طريق البحرين، ومن البحرين نزلت في دبي، ومن هناك قطعت الطريق الى العين على ظهر البوش في رحلة تستغرق أربعة أيام، لم أكن أصدق أنني في يوم من الأيام سأكون في بلد مثل هذا، فالرمال هي كل شيء يمكن أن تراه حولك، السيوح والكثبان الرملية هي الوجه الوحيد للحياة هنا، البشر، نساء ورجالاً يصارعون الحياة من أجل البقاء، وصلت الى العين واستقر بي المقام في بيت الدكتور كندي لم أصدق عيني في البداية، فلا شيء يشير الى الحياة في هذه البقعة سوى وجود البشر الذين يخوضون صراعاً مريراً مع الطبيعة من أجل تأمين شربة ماء·
في اليوم التالي اصطحبني دكتور كندي الى منزل المرحوم الشيخ زايد في العين، ومنذ الوهلة الأولى وجدت نفسي وجهاً لوجه مع قائد بالفطرة، فالرجل كان واضحاً في نهجه، ولا زلت أذكر كلماته الأولى لنا مرحباً بكم هنا أنتم في بيتكم وداركم ومقدرين على جهودكم التي نعتز بها · خرجت من عند الشيخ زايد ولا أعرف هل ما يتحدث عنه الرجل من مشاريع وخطط وبرامج ستظهر للوجود أم لا، فالرجل يتحدث عن دور الطب والرعاية الصحية، ويؤكد على ضرورة الاهتمام بالمواطنين وتوفير الرعاية لهم من خلال الأساليب العلمية الحديثة، ويتحدث عن التعليم وكأنه يرى عشرات الجامعات والمدارس أمامه، ويتكلم عن دور المرأة وكأنها ماثلة أمامه تمارس دورها في الطب والتعليم والشرطة والدفاع وغيرها· كانت معي كاميرا صغيرة أهداها لي أخي قبل رحيلي الى الإمارات، ومن هذه الكاميرا الصغيرة سجلت نهضة الإمارات وانطلاق نموذجها الحضاري من سيوح الرمال والعرقوب الى مصاف العالمية · بهذه العبارة فتحت الدكتورة لطيفة عيون التاريخ على معجزة الإمارات·· القائد والنموذج·· وغداً نواصل·