لم يكن البرلماني العربي الشهير هو الوحيد الذي لدغه العقرب يوم وجد نفسه وجهاً لوجه مع صحفي، فقد فوجىء موظف صغير في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بأنه هو الآخر وجهاً لوجه أمام صحفي في قلب مكتبه، ولأن هذا الموظف وغيره من بعض صغار الموظفين يعتبرون الصحفيين رجساً من عمل الشيطان فقد استعاذ الموظف الصغير بالله من الشيطان الرجيم، وبعد البسملة وقراءة المعوذتين لم يستطع الموظف تكرار كلمات هذا البرلماني يا نهار أسود يا ليلة سودة صحفي في مكتبي لم يقل ذلك بل كان هذا الموظف أكثر حكمة وحنكة وشجاعة في آن واحد وآثر بدلاً من لطم الخدود وشق الجيوب والعويل بسواد النهار والليل آثر أن يقدم نصيحة لوجه الله تعالى خالصة للصحفي الذي طرق بابه يسأل عن خبر، حيث رد عليه هذا الموظف الورع بالقول أنت صحفي شو أنت أحسن لك أن تذهب تبيع كشري ، ولأن هذا الصحفي خايب ولا يعرف مصلحة نفسه فقد تصور أن الموظف يهزأ منه ويحاول النيل من الصحافة وكرامتها و العياذ بالله ، فرد عليه الصحفي يا أستاذ أنا صحفي وواجبي البحث عن الأخبار التي تهم الناس والركض وراء حل مشاكلهم فهذا دور الصحافة ورسالتها التي نؤمن بها والدستور كفل لنا ذلك وكما تعلم فالصحافة حرة، ولم يكد الصحفي الذي لا يعرف مصلحة نفسه أن يكمل كلامه حتى فوجىء بالموظف الورع يتابع نصائحه للصحفي والصحافة: حرة·· صحافة حرة إيه يا حبيبي قلت لك سير بيع كشري ولا شاورما ولا حتى اشتغل في مقهى أحسن لك، وأحمرت عيون الصحفي المسكين وهو يسمع هذا الكلام وصرخ في الموظف: عيب يا أستاذ، وهنا وجد الموظف أنه لا فائدة من إفهام هذا الصحفي الخايب وتعريفه بمصلحة نفسه فما كان من الموظف إلا أن أظهر له الوجه الآخر ودخلت في الحوار مفردات على شاكلة بفرك من المكتب وغيرها من المفردات من قبيل الجوتي والنعال، وهي المفردات التي أصبحت سائدة اليوم في المحادثات الثنائية بين بعض البشر، وخاصة بين بعض المعلمين وطلابهم، إذ لم يعد الفر بالنعال من الألفاظ النابية خاصة اذا كان النعال من ماركة عالمية شهيرة وثمنه يتعدى الألف درهم·
حاول الصحافي جاهداً أن يجد صدراً حنوناً في الوزارة ففوجىء أن قطاعاً كبيراً من قيادات الوزارة يرون في نصيحة الموظف الصغير للصحافي هدية ثمينة يجب أن يقدرها الصحافي الخايب ، هم لم يقولوا له صراحة نحن مع ما ذهب إليه موظفنا الصغير بل قالوها ببلاغة أكثر تحضراً على طريقة السكوت علامة الرضا ، فقد كانوا وما زالوا راضين كل الرضا عن هذه النصائح الثمينة التي يقدمها عدد من صغار الموظفين من حين لآخر لهؤلاء الصحفيين الخياب الذين لا يعرفون مصالحهم·
ولأنني كنت متعاطفاً مع هذا الصحفي باعتباري من المدرسة المتخلفة التي تؤمن بصدعة الرأس والركض بين مكاتب التحقيق في الشرطة والنيابة والمحكمة، ومن هؤلاء الذين كتب عليهم حمل كلمة متهم منذ سنوات فقد رأيت من واجبي تنبيه نفسي أولاً ثم هذا الصحفي الخايب إلى أن ما فعله الموظف الصغير في وزارة العمل كان مجرد نصيحة بريئة لوجه الله، ثم أن بيع الكشري والشاورما ليس عيباً، ولذلك أنصح زميلنا الخايب بالوقوف على باب العمل السبت المقبل ليس انتظاراً لتحقيق يجريه الوزير بل لاستخراج بطاقة مستثمر لبيع الكشري بشرط أن يضع عربة الكشري أمام مدخل الوزارة لعل الكشري يصلح ما أفسدته الصحافة، وعليه العوض ومنه العوض يا معشر الصحفيين الخياب ·