لا أعرف لماذا تذكرت هذا الموقف الذي حدث منذ عامين عندما جاءت شخصية برلمانية عربية من تلك الشخصيات ذات العيار البرلماني الثقيل في بلادها للمشاركة في الملتقى البرلماني العربي، وخلال إقامة هذا البرلماني في أبوظبي ذهب إليه عدد من أبناء دائرته الانتخابية العاملين هنا وبعد السلام والتحيات قالوا له ما رأيك لو نعمل لقاء مع سعادتك بحضور أبناء الدائرة تستمع فيه إلى ملاحظاتهم حول تنمية الدائرة هناك، وبعد محاولات وافق الرجل خاصة وعينه كانت على تأثير هؤلاء على اخوانهم في الدائرة الانتخابية في بلادهم· وفي اللقاء الذي ضم عدداً من أبناء الدائرة صال النائب التاريخي الذي يتربع على مقعده في البرطمان منذ سنوات طويلة، ومن أول السطر صار سعادته يتحدث عن الشفافية والاصلاح والتغيير وحرية التعبير وكرامة الانسان، وغيرها من مصطلحات الموضة التي دخلت القاموس العربي رغماً عن أنف البعض ومنهم هذا البرطماني الشهير، المهم أن أبناء الدائرة انفتحت شهيتهم للكلام وصدقوا الموضوع وانهمرت المشاكل في ثنايا الحديث عن التعليم والصحة ورصف الطرق ومد شبكات الصرف الصحي وغيرها·
وفي نهاية اللقاء كان أبناء الدائرة قد جمعوا فيما بينهم مصاريف وليمة عشاء احتفاء بالضيف، وخلال الوليمة صافح سعادة النائب أبناء دائرته بحرارة ومن بين الذين صافحهم مستشار قانوني من أبناء الدائرة ويعمل في أبوظبي منذ سنوات وخلال المصافحة طلب المستشار من البرطماني الشهير التقاط صورة تذكارية وبعدها واصل البرطماني السلام على الحضور فرداً فرداً ومن بينهم شاب يرتدي بذلة أنيقة كان يجلس إلى جوار المستشار وعندما سلم عليه البرطماني سأله من أين أنت، ومن أي عائلة في الدائرة، ولم يرد الشاب بل جاء الرد من المستشار الذي دعاه لحضور اللقاء، وقال المستشار يا سعادة النائب هذا الاستاذ فلان الصحفي صديقي جاء معي، ولم يكمل المستشار الكلام حتى خرجت الكلمات من فوهة بركان هذا النائب البرطماني الشهير مثل طلقات المدفعية الثقيلة وقال بملء صوته وسط الحضور صحفي يا ليله سوده ويانها أسود والله يا مستشار فلان لن أنسى لك هذه الكارثة!
حاول المستشار أن يكمل الحوار مع البرطماني الشهير ولكن خطوات هذا البرطماني كانت أسبق في الركض نحو المصعد وترك العشاء والحفلة واللقاء وأبناء الدائرة، لم يسمع أحد من الحضور ما قاله سعادة النائب على وجه الدقة بل كل ما سمعوه هو نهار أسود·· ليله سوده·· صحفي·
كثيراً ما أتذكر هذه الواقعة وأضحك على البرطماني الذي شبعنا حكيا وقصا عن الشفافية والمكاشفة والاصلاح، وعندما وجد نفسه في حضرة الصحافة التي يرفع لواء الدفاع عنها فإذا به كمن لدغته عقربة، لم يكن هذا النائب البرطماني الشهير - نسبة إلى البرلمان - هو الوحيد الذي يعاني من هذا المرض إذ دلت الدراسات العلمية على وجود كثيرين لديهم هذه الآفة وهذا الفيروس الفتاك الذي يسري في أجساد بعض صغار الموظفين أسرع من انفولونزا الطيور أو جنون البقر فإذا ما وجد بعضهم صحفياً أمامه كان كمن كمش ابليس بيديه ومضى به مختالاً يرجمه على رؤوس الاشهاد، موظف وزارة العمل الصغير والذي لا نعرف اسمه أو رسمه هو الآخر كان على موعد مع الغنيمة فقد كمش صحفياً متلبساً بجرم فظيع هو السؤال عن شكوى 4 مواطنات عاملات في أحد البنوك ولديهن شكوى مرفوعة للعمل وطلبن من الصحفي متابعة الموضوع في العمل·
ومن سوء حظ الصحفي أنه وقع في قبضة من لا يرحم، فقد قاده حظه العاثر إلى واحد على شاكلة هذا البرطماني الشهير فكال له من منقوع الزفت كلاما تقشعر له الأبدان، وغدا نواصل·