ماهو الجهاد الذي يمكن أن نغنم أجره ونتحصل على ثوابه، إذا ما فجرنا صالة أفراح وقتلنا من نعرفه ومن لا نعرفه، وحولنا فرح الآخرين إلى حزن أبدي؟ وبدلاً من أن ننحاز إلى الحياة وتعمير الأرض وإرضاء الرب، قررنا أن هلوسات الشيطان التي تزين فعلنا وتكفر ذنبنا وتغضب ربنا هي الطريق إلى الجنة، دائما ما نرمي مشكلات أرضنا وعيشنا وواقعنا إلى سموات مجهولة وغيبيات واعتداد بكلمات من سبقنا في عصر يختلف عن عصرنا، وكأننا نريد أن نخلط الأمور أو نضيع الشواهد، نخلق من طريق الموت ودماء الأبرياء طريقاً مستقيماً إلى الجنة، نئد المرأة في دنيانا وندفنها بسوادها حية، ونشعرها بالدونية والنقص، لكي تحيا معنا في آخرتنا وجنتنا كحور من العين·
كل أمورنا في الحياة مؤجلة إلى عالم آخر، لماذا نحيا إذن مادام هذا العالم ليس لنا، وزمننا الحقيقي هو ما ينتظرنا، نتصرف وكأننا نحن محور هذا الكون العظيم واللامتناهي، وكأننا الأطهار والأنقياء والصالحين في هذا الدهر، كل عقول البشرية التي سبقت والتي تجاهد ضد الأمراض وفناء الكون وأخطار الطبيعة وتدمير الإنسان وتبحث عن عوالم الله وطرقه في البر والبحر والفضاء وما يعيش عليها من خلق، رهينة لعقلية أعرابية كان النقل سبيلها لا العقل، كل مفاخر الإنسان الجديد وما صنعه، ستبقى حبيسة عقلية شيوخها وعلمائها، يجادلون في الفلك والملكوت مثلما يجادلون بنجاسة لحم الإبل، ويصدرون الفتاوى والكتب والنظريات والأقوال التي تتبع السجع مخالفين ومكفرين وناقضين أقوال كوكبة من العلماء والباحثين بمعالمهم واختباراتهم ورحلاتهم الفضائية ومراكز أبحاثهم، من نصدق العقل وقواعد البيانات وسنوات من العمل الجماعي والتجارب والمعامل، أم رجلاً عالمه حدود قريته ومعارفه ومن يجلس معه في حلقة ما بعد صلاة العصر، ونظره الضعيف وبصيرته الغائبة وكتبه الصفراء المتوارثة؟
هذه القراءة الأولى لمشهد الدم الذي عم عمان قبل أيام، لكن القراءة الثانية والواقعية فهي: أن هناك من يتستر بلبوس الدين، والأدعياء له كثيرون، ومن يزرعون عمائم فوق رؤوس لا تقبلها إلا لانقضاء مصلحة وتحقيق هدف، هناك من هو قادر بمكره أن يرفع الأذان في الخرابات ويقول لم يسمعني أحد، هناك من هو قادر أن يركب موجة القلاقل وعدم وضوح الرؤية ليصل للغاية التي يريد، من له مصلحة في خلط الأوراق وإيجاد له قرص في كل عرس· إن وجه الشر اليوم يرتدي قناعين، قناع الدين وقناع السياسة، لكن من يفوز هو قناع وجه آخر، هو قناع المنفعة والمصلحة، وقد تتفق تلك الأقنعة على خراب المكان وقتل الإنسان ما دام الإنسان أرخص شيء ومادامت الأوطان أوطى مكان·
مشكلات الإنسان مع العنف أنه ظل يصارعه كفرد لا جماعة ويحاول أن يعالج قشوره لا جذوره·
اليوم العنف في العمق هو عنف سياسي ولاتهم الأقنعة التي يرتديها فهي في النهاية قاتلة وحاصدة الضحايا والأبرياء وزارعة الخوف والرعب في النفوس·
بقي سؤال بريء يمكن طرحه: هل سيقدر الغرب بما أوتي من قوة وآلية في كل المجالات، وكافة المعطيات أن يحول العنف لنا وإلى الداخل وهو أضعف الإيمان إن لم يقض عليه عنده في الخارج؟·