هل تنتهي هذه الصور السلبية والمظاهر المقززة من داخل بعض دوائرنا ومؤسساتنا، وهل يعي هؤلاء الموظفون والموظفات أن وقت الدوام هو من حق الدولة وليس هبة من هذا الموظف أو ذاك، وهل نحن بحاجة لتعديل هذه الثقافة التي يرى فيها الموظف أنه سيد المكان والآمر الناهي الذي على المراجع أن ينتظره على الباب لساعة أو ليوم أو لشهر·
بالأمس كنت في إحدى المؤسسات الحكومية في التاسعة صباحاً وفوجئت بي أمام حلقة من حلقات الدراما الرمضانية التي كان يقدمها مسلسل حاير طاير موظفون وموظفات حولوا مكاتبهم إلى صالات للطعام ونزلوا بالخمس في ملات الثريد والهريس والخبيص، هذه الموظفة لا تحب فطاير الزعتر والجبن ولذلك فهي تحرص على ارسال الفراش يومياً إلى أحد المطاعم الشعبية القريبة يحمل لها هي وزميلاتها ما لذ وطاب من البلاليط، وهذه موظفة أخرى قبل أن تضع قدمها في المكتب تمسك بالهاتف وتطلب راعي الفطاير خمس جبن وثلاث زعتر وخمس لبنة بالزيتون·
وهذا موظف آخر لا يحلو له الريوق إلا إذا كان من نوع بيتزا هت وهو تارة يطلبها بيتزا بالروبيان وأخرى بالخضار وثالثة بالجبنة، أما العصائر فحدث ولا حرج وإذا كنت ممن يطمحون للاستثمار السريع فما عليك الا بافتتاح صندقة صغيرة بجوار أي من هذه المؤسسات الحكومية، وإذا لم تصدق فاذهب صباح اليوم إلى هذا المخبز المجاور لإحدى دوائر البلديات وانظر إلى أعداد الفراشين الذين اصطفوا طابوراً في هذا المخبز لشراء ساندويتشات لزوم الريوق لهؤلاء الموظفين والموظفات·
أما في بعض المدارس فقصة طبق اليوم هي القصة المفضلة خلال العام الدراسي وخاصة في مدارس الاناث حيث تتعدد جنسيات المعلمات وتتنوع طرق وأساليب الطعام، فاليوم الريوق كشري وغداً كسكسي وفي اليوم الثالث لا بأس من صواني محشي ورق العنب والملفوف، وفي اليوم الرابع كبسة وفي الخامس منسف ·
هؤلاء الموظفون والموظفات يريدون لمؤسساتهم ودوائر ومقار أعمالهم أن تتحول إلى فروع من سلسلة مطاعم باسم الله الشهيرة والتي كان يجد الربع فيها متعة لا تضاهى عند دوار الجبل في العين حيث يجلسون رباعة على مقاعد خشبية وسط المطعم وتدور سوالفهم حول أحدث أنواع سيارات الجيتي وسوبر صالون وغيرهما من أنواع سيارات ذلك الزمان·
عند مدخل هذه المؤسسة أو الدائرة الحكومية وجدت عدداً من سيارات الديلفري والسياكل الموتوسيكلات كلها تحمل التموين والمئونة حق هؤلاء الموظفين من قوم شحفان الذين باتوا الليل وهم يحلمون بجلسة الريوق في عقر دار الدوام ورغم أنف معاملات المراجعين المكدسة تحت رائحة زيوت الزعتر الجبلي، وغداً نواصل·