هل نحن أمام موضة جديدة، وهل نحن أمام حالة من حالات المنة على الوظيفة الحكومية، وبالتالي المنة والامتنان على الوطن الذي احتضن هؤلاء وترعرعوا في ربوعه ونهلوا من خيراته؟ لا أعرف ماذا يقصده البعض عندما يقدمون أنفسهم للآخرين على أنهم يحملون حملا ثقيلا وأنهم يضحون من أجل لاشىء، وأنهم تركوا أسرهم وعيالهم وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل الوظيفة الحكومية، ولا أعرف لماذا يختار البعض بعد أن يقضي 20 عاماً أو ربع قرن في دهاليز الوظيفة الحكومية لا يعرفه أحد ولايسمع به أحد، ثم فجأة نجد هذا الموظف الذي لم تكن له بصمة مجتمعية ملموسة في يوم من الأيام على صدر الصفحات الأولى للصحف·
ومايثير في نفوس الكثيرين علامات الاستفهام ما تفعله الصحافة عندما تصنع من بعض صغار الموظفين أبطالاً وتضفي على كل منهم ثوب المهابة الوظيفية وتحمله أكثر من حجمه بل وتنفخ صورة متضخمة له توحي بأن ترك هذا الرجل أو ذاك لموقعه الوظيفي سيؤدي لانهيار هيكل العمل·
موضة استقالات صغار الموظفين التي تطالعنا بها الصحف في صدر صفحاتها بدأت في وزارة العمل ولم نر وزارة العمل وقد وضعت يدها على خدها وجلست تندب حظها العاثر بعد هروب هذه الكفاءات ، ثم اتسعت رقعة الموضة بعض الشىء حتى شملت أيضاً بعضاً من موظفي وزارة التربية والتعليم والذين أدركوا منذ اللحظة الأولى أن التربية في انتظار تسونامي يهز أركانها الإدارية ·
وأرغى الكثير من موظفي وموظفات التربية وأزبدوا ولكننا لم نر أحدا منهم حمل استقالته على كتفيه ومضى بها·
ولأن الموضة لمعت في عيون الآخرين فقد أتحفتنا الصحف أيضاً بخبر في الصفحة الأولى وبالبنط العريض حول استقالة رئيس جمعية الصيادين ومع التقدير الشديد للرجل فإن مانشر في مضمون الخبر حول الاستقالة كان مغايرا تماماً عن المعايير التي استندت إليها الصحف في فرض خبر كهذا على الصفحة الأولى، ورئيس الجمعية وبحسب مانقلته عنه الصحف فإن الاستقالة كانت لأسباب أسرية وعائلية، وحاولنا قراءة مابين السطور وهل للاستقالة علاقة بمشاكل صيادي الأسماك وارتفاع سعر مَنْ الهامور إلى 150 درهما ولا استيراد الأسماك من الدول الشقيقة ومن بنجلاديش لانعرف لماذا فرضت علينا الصحف خبر استقالة الرجل في الصفحة الأولى·
قلنا لعل بعض الصحف خانها الاختيار، ولعل الأمر كان مرتبطا بظرف زمني معين ولكننا فوجئنا بأن الموضة مستمرة موظف في وزارة التربية والتعليم لديه ظروف أسرية ويعمل في ديوان الوزارة وهو ديوان يضم أكثر من 400 موظف وموظفة لا تعرف من فيهم على رأس عمله ومن فيهم في السوق ومن في الكوفي شوب المهم أن الموظف قدم طلبا للنقل إلى المنطقة التعليمية القريبة من بيته ووافقت الوزارة ثم في اليوم التالي وصل طلب النقل إلى كل الصحف كيف لا أحد يعرف، وتساءل كثيرون ماذا يعني وضع خبر كهذا في الصفحة الأولى وما الاشارات التي يستخلصها القارئ من موظف راتبه 11 ألف درهم ويجد مشقة في العمل بعيداً عن أسرته ومن هنا طلب الانتقال·
ياعالم أرجوكم أوقفوا هذه الموضة قبل أن نجن أما هؤلاء الصحفيون الذين أتحفونا بهذه الأخبار فلايمكن القول عليه العوض فيهم لأن ذلك معناه استمرار الموضة والله أعلم·