الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رمضان سنغافورة

رمضان سنغافورة
28 أكتوبر 2005

سنغافورة - محمد الحلواجي:
في شوارع 'جيلانج' ثمة قلوب ووجوه ما انفكت من عناق صور العروبة، وثمة ألسنة أخرى أنساها الزمن لغة الضاد في 'شارع العرب'، وتذكرت فجأة أقداح القهوة ورائحة الزنجبيل، وجوه مشينا معها هناك وفي يدنا كاميرا تكاد تلهث وراء بهجة صور الذاكرة وعذوبة الابتسامات القادمة من مختلف المدن العربية والاسلامية، وعلى رأسها: صنعاء، القاهرة، بيروت و بغداد·
البداية كانت على ناصية مقهى في منطقة السلطان، ففاجأنا صوت السيدة فيروز تلته أصوات عربية أخرى، تجاذبنا أطراف الحديث واستعدنا ذاكرة جذور الأجداد بلغة انجليزية صرفة، وحمدنا الله كثيرا على أن أسماءنا العربية، كانت هي الوحيدة التي لم تقبل هبة الترجمة، ونحن نكاد نضيع في جموع المحتفلين بشهر رمضان، وسط حشد هائل من المصابيح وكرنفال لا مثيل له من التهاليل وأصوات الأذكار·
تعتمد سنغافورة على رؤية هلال شهر رمضان بالحساب الفلكي وذلك منذ القدم، ومفتي الإسلام في سنغافورة هو من يعلن رؤية الهلال لتحديد بداية شهر رمضان المعظم عن طريق وسائل الاعلام المختلفة· وتمتد فترة الصيام في سنغافورة حتى السابعة مساء، وسط جو استوائي حار ونسبة رطوبة مرتفعة تصل أحيانا إلى ثمانين بالمئة مصحوبة بزخات مطر متفرقة، لكن الشهر الفضيل يكتسب مذاقا أجمل يزداد كلما مضى الشهر الفضيل قدما نحو العشر الأواخر والعيد· فعادة ما تتخذ الأحياء السنغافورية الإسلامية زينتها من أفرع الزينات الكهربائية الملونة والتي تتخذ رسم المساجد والمآذن والقباب شعارا بديعا لها بطول شوارع الحي الماليزي وشارع العرب· كما تقام الخيام الرمضانية لتصطف على جانبي الطرق فى هذين الحيين·
أما في النهار فيمكن للصائم التنزه في هذه الشوارع وشراء ما يبتغيه من أغراض الطعام أو الملابس الماليزية أو المفروشات وخلافه، لكنه في الليل لن يجد له موطئ قدم، حيث يزدحم السنغافوريون المسلمون مع أشقائهم من الجاليات الاسلامية بعد صلاة التراويح، ويصبح الزحام شبيها تماما مع الكثافة التي نلقاها في موسم الحج·
'روجا هند' وعرق سوس
سنعافورة لا تمتلك طعامها الخاص، فكل أكلاتها المتبلة بالكثير من البهارات مأخوذة من دول أخرى مجاورة أو بعيدة كأندونيسيا وماليزيا وبروناي وتايلاند والصين والهند· كما أنها لم تعرف الخبز العربي إلا منذ ثلاث سنوات على يد مهاجر لبناني، حيث كان يشيع فيها ولا يزال خبز يسمى 'فرانسيش' أي الخبز الفرنسي· وسيجد الصائم أمامه في سنغافورة الأرز المفلفل والبازلاء بالجزر وطبق الشوربة والدجاج، وعصير البرتقال، في موعد الإفطار الذي يحين في السابعة مساء· ويتناول الصائمون في سنغافورة عادة بعضا من حبات التمر والعصائر ثم يتناولون طعام الإفطار قبل صلاة العشاء·
مائدة الافطار معكرونة مقلية أو محمرة بالصلصة، و'سمبوسا' لحم او دجاج مشوي· وسلطة خضار تتكون من لحم و'قلقاس' ومعهما الكبدة التي تطبخ مضافا اليها الصلصة، وبعد أن تنضج يضاف اليها الفول السوداني وتسمى هذه الاكلات 'روجا هند'· بالإضافة إلى الفواكه المكونة من البطيخ والباباي كبير الحجم والبرتقال·
أما بالنسبة للعرب في سنغافورة فقد أصبحت لديهم خيارات كثيرة من قوائم الطعام العربي بعد أن ضاقوا ذرعا بأكلاتها الحارة المليئة بالبهارات· فهناك مطعم 'الشيخ' الذي يقدم الأطباق والمازات اللبنانية، ومطعم 'أميرة' الذي يقدم مختلف المشاوي من اللحوم الحلال، وغيرهما من المطاعم اليمنية التي تقدم أطباق اللحم والأرز 'المندي' إلى جانب المقاهي التي تقدم شتى أنواع المشروبات كالزنجبيل والقهوة والشاي والكاكاو والعصائر والفول المسلوق والشيشة! ناهيك عن أن المطاعم الكبرى ومطاعم الفنادق الفاخرة تنبهت لأهمية شهر رمضان بالنسبة للمسلمين فأصبحت تتنافس في السنتين الماضيتين على جلب أمهر الطهاة العرب والمسلمين من مصر ولبنان وتركيا وغيرها من الدول الاسلامية· وهكذا صار المسلم يجد أمامه اليوم حتى تلك الأشياء التي لايمكن تخيل وجودها في سنغافورة كشراب العرق سوس والكنافة وقمر الدين! أضف إلى ذلك جهود هيئة السياحة السنغافورية قد أخذت بتجديد وبعث روح الحيوية من جديد لمناطق تواجد المسلمين بهدف استقطاب السياح العرب، وهو الأمر الذي جعل هذه المنطقة الواقعة في قلب سنغافورة أخاذة بحق·
مساجد و متبرعون
بعد الافطار يتوجه الناس إلى المساجد لأداء صلاة التراويح حيث ثمة مساجد عديدة أشهرها مسجد السلطان الرسولي ومسجد الروضة، وهو مسجد جميل جدا يتألق ليلاً بمآذنه الكبيرة وقبته الدائرية، وفنائه الواسع الذي يحيطه سور حديدى مرتفع بعض الشيء، وهو يشبه تماما مساجدنا العربية، خاصة وأن القادم نحوه يلمح اللوحة المعدنية الكبيرة وقد كتب عليها بالعربية 'مسجد الروضة'·
أما الآذان فلا يسمع من خارج المسجد، إذ لا يسمح بمكبرات الصوت الخارجية· وقد يكون هذا طبيعيا في بلد بوذي بالدرجة الأولى، حيث يبلغ تعداد سكان سنغافورة ثلاثة ملايين نسمة، تشكل نسبة المسلمين فيهم خمسة عشر بالمئة من عدد السكان· وعلى أية حال لا يمكن للعين أن تخطىء المناضد المنصوبة في فناء المسجد· فقبل الإفطار يتبرع الكثيرون بوجبات طعام· أما الطريف أحيانا فهو اعتذار المسجد عن قبول وجبات الطعام نظرا لكثرة المتبرعين، لدرجة أنه ينبغى الحجز مسبقا في المسجد لمن يريد التبرع، لتحديد اليوم وعدد وجبات الطعام وعدد العلب البلاستكية التي سيتبرع بها!
أما داخل المسجد فينقسم إلى مكان للرجال في الدور الأرضي، وآخر للنساء فى الدور العلوي، حيث يفاجأ الزائر بملابس الصلاة الماليزية التى يرتديها الرجال إلى جانب طواقي المخمل المزركشة التى يضعونها· أما النساء فتراهن في خشوع في ملابسهن البيضاء وخمرهن التي تذيلها زركشات وتطريزات جميلة لزهور ونباتات رقيقة، ليقفن كلهن في زي واحد تقريبا ينتظرن الصلاة· وكذلك هو الحال مع صلاة العشاء حيث تذهب كل أسرة إلى المسجد لأداء صلاة العشاء والتراويح، وبعد التراويح والوتر تعقد حلقات الدرس ويفسر القرآن بواسطة شيخ المسجد أو أي شيخ آخر، ويترجم القرآن من اللغة العربية إلى اللغة الملاوية·
سحور الكاكاو و'الكتوبات'
السحور السنغافوري بسيط جداً، حيث يستيقظ المسلمون السنغافوريون في الساعة الرابعة صباحاً ويتناولون ما تبقى من طعام الفطور مضافاً اليه الأرز والسمك، ثم يشربون القهوة والكاكاو والشاي بالحليب حتى الامساك والآذان، فيذهبون الى المسجد لأداء صلاة الصبح في جماعة·
وفي العشر الأواخر تذهب كل أسرة إلى المسجد بكبيرها وصغيرها وتقام السرادقات و'الخيام' حول المسجد لتنام فيها هذه الأسر، ويحدث ذلك يومياً في العشر الأواخر من رمضان بحيث تؤدى الفرائض في المسجد ويكون النوم في السرادقات· أما ليلة القدر فليس لديهم يوم معين لمعرفتها، وإنما يلتمسونها في العشر الأواخر من شهر رمضان، وصولا إلى ليلة العيد التي تشتهر بطعام مميز· فبعد صلاة العشاء ليلة العيد يكون هناك طعام خاص تعده الأسر في سنغافورة ويسمى 'كتوبات' وهو عبارة عن أرز يلف بعروق شجرة النارجيل على شكل مربع ويوضع على شبكة تعلو إناءً كبيراً 'قدر' له ثقوب كثيرة، حيث يملأ هذا الإناء بالماء ويوضع على النار ليتم انضاج الـ 'كتوبات' على البخار المنبعث من الماء المغلي داخل الإناء حتى ينضج تماماً· وتؤكل 'الكتوبات' يوم العيد مع اللحم المطبوخ والدجاج المقلي·
سألنا 'زينب بنت محمد' الدليلة السياحية المسلمة التي تنطق اسمها على هذا النحو: 'هل تشعرون في سنغافورة أن ألقى رمضان عندكم، يقل عنه في الدول العربية والاسلامية'؟ فتجيب زينب قائلة: 'على الاطلاق، فبهجة وجبة الافطار الرمضانية عندنا تشكل لنا عيدا بحد ذاتها، لذلك نحن نمتلك ثلاثين عيدا بعدد أيام شهر رمضان تماما'!
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©