السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

زلزال باكستان وضرورة توظيف السياسة لصالح البشر

13 أكتوبر 2005

شهرزاد العربي:
الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والحرائق، والأعاصير والزلازل حوادث تقع منذ الأزل، وهي خارج إرادة الإنسان، وبعيدة عن التوقع ـ إلا فيما ندر ـ وقد تنهي أمما بكاملها من الوجود، وليس هناك خلاف على ضرورة التعامل معها برؤية إنسانية بعيدة عن الحسابات السياسية، فهل يتم هذا في الوقت الراهن؟
في الظاهر لا توجد علاقة بين التدافع الإنساني نحو تحمل أعباء الكوارث، مشاركة وتفاعلا، لكن في اتخاذ القرار للدعم والمساندة والإنقاذ هناك حسابات سياسية، الأمر الذي يجعل إجابة السؤال واضحة على صعيد الجغرافيا، وتقسيم العالم إلى مستويين،الأول خاص بالقوة والحاجة ـ الحاجة هنا قد تكون رغبا أو رهبا ـ والمستوى الثاني قطري، إقليمي، ودولي أيضا حيث يتم التعامل مع الكوارث عمليا وليس وجدانيا ت بأساليب مختلفة·
وهكذا نجد الإنسانية قد خرجت من رحابة أن تشكيل شعوبها وجماعاتها فريقا واحدا على الأقل من ناحية الشعور بالمصيبة إلى ضيق الحسابات -الدونية ـ حيث أهل القرى الصغيرة هناك ليسوا على قدر من المساواة مع الذين اتجهوا في مساكنهم صعودا نحو السماء، أو مددّوها فبدا الأفق أرحب بالنسبة لهم ، والحديث هنا لا يهتم بجمال الطبيعة، بقدر تركيزه على البشر، نوعا وقوة ومكانة·
تجربة البدايات
مراقبة ما يحدث على صعيد التفاعل مع الأحداث الكبرى الخاصة بالكوارث الطبيعية لا يمكن فصله عن السياسة ، ومع أن الأساس فيه هو امتحان البشر وإعدادهم لهول أكبر قد يكون في لمح البصر أو أقرب من ذلك، إلا أن اتخاذ أسلوب تحميل الآخرين وزر عدم حل المشكلات بحجة أنها تتجاوز قدراتنا ومقدرتنا ، يجعل الذين تدفعهم آدميتهم للمشاركة معنا كما هو الحال في باكستان يتساءلون : ما جدوى الحديث عن القوة - بدءا من حماية الحدود إلى حماية السلاح النووي- ما دام الإنسان لا يجد عند الأمة أملا للخروج من حالته ولو بعد حين؟·
لكن غياب الأمل يرفض ذكره أصحاب القرار في كل دول العالم على اعتبار أن حديث العامة عند الآلام والمحن، وتوتر العلاقات والحاجة الماسة إلى النجاة، لا تترك فرصة للقبول ، بأي قرار سياسي ليس فقط لكونه يأتي لحظة الأزمة ناقصا، ولكن لأن الدولة كلها - وليس أصحاب القرار فقط - محل شك، لأن الحياة تغيرت لدى المصابين لونا وطعما، حيث رائحة الموت تزكم الأنوف، حضورا وانتظارا وشمولا، لكن لماذا تهتز ـ في لحظة الضعف الإنساني ـ تلك القوة الإيمانية؟ وبمعنى آخر لم لا تستطيع مواجهة القرارات المتعلقة بأهوال الكارثة؟
يبدو أن البحث عن مخرج من الأزمة بعيداً عن القدر، هو الذي يجعل الناس في حل من ضوابطهم الإيمانية، وهذه لن تكون حالا خاصا بالدنيا، وإنما هي المصير النهائي، حيث الذهول للأمهات من الذين أرضعنهن، ووضع الأحمال، ورؤية الناس سكارى وما هم بسكارى·
وإذا كانت هذه مجرد تجربة أولى خاصة بالبدايات تحضيرا للنهايات باعتبارها تمثل النتائج، فإنه من الطبيعي أن يصبح القرار السياسي، مهما أحاط بالمشكلة وقلل من حجم المأساة، وتفاعل أصحابه مع الأحداث، محل شك، لكن هذا لا يعني أن عدم الاستجابة في وقت الأزمة جاء نتيجة للتحدي ولكنها نتاج تراكمات سابقة، وإذا سلمنا بامتداد العلاقة بين الحاضر والماضي، فإن الزلازل السياسية، سواء من ناحية سيطرة الأجهزة أو ديكتاتورية النظم، أو كثرة الفساد في البر والبحر بما قدمت أيدي الناس تكون مقدمات لزلازل طبيعية لاحقة، وعندما يشعر المواطن أن الدولة ستكون حامية له أو على الأقٌل معينة كما هي في الفترة ما قبل الزلزال، يتراجع لديه الخوف والحزن عن فقد الأهمية، من منطلق أن هناك حضنا حانيا يمكن أن يتجاوب معه ، ويخفف عنه ·
الدولة ·· وحماية الموتى
إن تلك البيوت، التي تقف في الغالب حائلا -غير واق - من حر الصيف ولا برد الشتاء، هي الستر لأهلها، تماما مثل أثوابهم الرثة التي تكسي الأجساد، وطعامهم الذي يقيهم من الضياع في الحياة ، وهي - البيوت - البديل عن الدولة ، وخارجها ليس هناك شعور بالحماية، وإنما هناك خوفا من مطاردة القانون وأهله وحماته والمستفيدون منه، لذلك كانت ألما ووجعا عندما سقطت على رؤوس الأبناء والأزواج، و سيبقى ماثلا مشهد تلك المرأة الباكستانية ـ وقد فقدت أبناءها تحت ركام البيت، وهي تقول أمام عدسات التلفزيون : ' نحن في حاجة إلى الدولة لتساعدنا في دفن موتانا' وحينما يكون هذا المطلب في زمن الألم، فإن ذلك ينفي أي مطالب أخرى، كما يفترض، ضمنا، أن لا حق في الحياة ما دامت الدولة غير حاضرة عند الموت، لكن هل تلك مشكلة الدولة الباكستانية وحدها؟
لا شك أنها مشكلة أمة بأكملها، لكنها ظهرت بشكل أوضح في الزلزال الأخير في باكستان، لأنه أكبرمن مقدرات الدولة، وإن كان ليس أكبر من مقدرات أمة يتواجد أبناؤها في كل دول العالم، ما يعني أن الألم في باكستان يجب أن يخفف على الشعب هناك بمساهمة واسعة من كل أبناء الأمة، وهنا يأتي دور الجمعيات الخيرية التي حوربت باسم تطويق الإرهاب لأن عودتها تمثل جانبا من الحل من ناحية إنقاذ ما تبقى ومن بقي· وتقديم العون للمتضررين، وفي ظل غيابها ـ الآن ـ على المؤسسات الحكومية أن تقوم بدورها، وعلى الشعوب أيضا أن تساهم لأن تجميع الطاقات يصل بنا إلى تخفيف الأحزان عن إخواننا في المناطق المتضررة·
وإذا كانت بعض الدول محل نقد بسبب قراراتها ومواقفها، فإن دولا أخرى يجب أن تنال التقدير لدورها في مجال الإغاثة، من ذلك ما قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة تجاه باكستان سواء بالدعم المادي المباشر كما هو بالنسبة لقرار صاحب السمو رئيس الدولة والخاص بالتبرع بمائة مليون دولار ، وإرسال الجيش للمساهمة الميدانية من خلال إقامة مستشفيات متنقلة ، إضافة للنشاط المتواصل للهلال الأحمر الإماراتي خلال كل المحن والكوارث التي أصيب بها بض دول العالم، وذلك على ما فيه من فعل خير هو في الأساس قرار سياسي، يحظى بالدعم والمساندة من جميع أهل الخير، إن لم يكن على مستوى المساهمة فعلى مستوى التأييد والاعتراف·
السواد ·· والأمل
وحسب حجم الكارثة التي ألمت بباكستان والدول الأخرى المجاورة فإن الصورة في مجملها تبدو حالكة السواد رغم المساعدات الإنسانية ، مقارنة مع ما كان منتظرا لكارثة كبرى حلت بالبشرية، وأيضا مقارنة بالدعم الذي حظيت به شعوب أخرى، لكن هناك بصيص أمل لتلاقي بني الإنسان عند المصير المشترك، تجلى ذلك في التأثر الذي بدا واضحا على فرق الإنقاذ الدولية· من ناحية أخرى فإن عنصر المفاجأة ، إذ لم تكن السلطات في الدول المتضررة متوقع حدوث هذه الكارثة، قد ضاعف من الخسائر البشرية والمادية، لذلك لا تجوز المقارنة بينها وبين دول أرى استعدت مسبقا للأعاصير كما هي الحال بالنسبة لأمريكا، أو حتى الزلازل كما هي الحال بالنسبة لليابان، في مرات سابقة، ناهيك عن قوة الدول الأخرى من الناحية المالية والتنظيمية، الأمر الذي يقلل من الانتقادات التي وجهت لصناع القرار في باكستان، وإن كان الشعب الباكستاني كما جاء من تصريحات كثيرين يرى أن الحكومة كان بمقدورها أن تساهم بدور أكبر وفاعلية أوسع· ومهما يكن تقيمنا لما يحدث علينا أن يأخذنا الشطط السياسي بعيدا عن القدر ،لأن الحيطة والحذر وإعداد البنية التحتية، ما كانت لتحول دون وقوع هذا الحادث الأليم ـ لذلك علينا أن نجعل السياسة خاضعة ومتجاوبة وفي خدمة القدر، وليس العكس، وأول ما تقوم به في هذا الإطار هو تخيف الآلام عن إخواننا بالدعم كل حسب طاقته، متقين في ذلك شح الأنفس ·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©