الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

إسرائيل تعترف بقتل المناضل الجزائري محمد بودية

12 أكتوبر 2005
أحمد إبراهيم :
' لم تكن الساعة قد تعدت السادسة من فجر السابع والعشرين من شهر يونيو عام 1973 في العاصمة الفرنسية باريس، وقد همّ المناضل الجزائري 'محمد بودية' للنزول إلى عمله كعادته كل صباح ، واستقل سيارته وما أن دخل إليها حتى انفجرت القنبلة التي زرعها أعضاء المخابرات الإسرائيلية في الوسادة الخلفية بمقعد السيارة وتطايرت جثته إلى أشلاء تناثرت في الهواء ·'
بهذه الكلمات بدأ المعهد السياسي الإسرائيلي دراسته التي تحمل عنوان ' تصفية النشطاء العرب ' وهي الدراسة التي صدرت في السابع من شهر أكتوبرالجاري والتي كشفت وبناء على معلومات سرية سربها قسم المعلومات في جهاز المخابرات الإسرائيلية عن قيام الجهاز باغتيال المناضل الجزائري محمد بودية الذي كان يعرف في أروقة الجهاز ب' الصداع الجزائري المزمن ' نظراً لتسببه في العديد من المشاكل لإسرائيل حيث كان بودية من أشد الجزائريين تعاطفاً مع الفلسطينيين وقام بالعديد من العمليات ضد الأهداف الإسرائيلية في أكثر من دولة ، وهي العمليات التي كانت تتميز بالذكاء الشديد خاصة مع نجاح بودية الذي كان يعيش في فرنسا في تجنيد العشرات من الأجانب للوقوف بجانب القضية الفلسطينية ودعمها بقوة خاصة عقب الاحتلال الإسرائيلي للمناطق العربية بعد حرب 1967 ، وهو الاحتلال الذي أصاب بوديّة بإحباط كبير ودفعه لضرورة العمل على تلقين تل أبيب والأجهزة الأمنية المختلفة بها درساً لا تنساه حيث رفع شعار ' جزائرية الحل' وهو الحل الذي يقوم على تطبيق أسلوب المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي وإجبار إسرائيل على الانسحاب من المناطق العربية التي احتلتها كما أجبرت المقاومة الجزائرية فرنسا على الانسحاب من الجزائر ·
وكان بوديّة يهتم بالتخطيط للعمليات الاستشهادية في قلب إسرائيل وكان يقول دائماً: أن الشعوب العربية لا يمكن أن تقوم لها قائمة ما دامت فلسطين محتلة ورأى أن أفضل طريق لتحرير فلسطين هو الكفاح المسلح خاصة وأن إسرائيل لن تتوقف عن قتل وتشريد الشعوب العربية وترغب دائماً في توسيع حدودها·
الملك الجزائري
اللافت أن الدراسة تزعم أن بوديّة عرف في الأوساط السياسية والأمنية الفلسطينية في فترة الستينيات وبداية السبعينيات قبل استشهاده ب' رئيس الفرع الأوروبي للمخابرات الفلسطينية ' وكان عدد من الضباط الإسرائيليين يطلقون عليه لقب ' الملك الجزائري في أوروبا ' خاصة مع تمتعه بعلاقات متميزة مع العديد من الأطراف الأوروبية ، وهو ما أهله للقيام بالعمليات العسكرية ضد الأهداف الإسرائيلية سواء في أوروبا أو في قلب إسرائيل نفسها ·
ويكفي ' عملية اللد ' التي خطط لها بذكاء شديد حيث اتفق مع قيادة الجيش الأحمر الياباني على القيام بهذه العملية الشهيرة في إسرائيل مقابل العمل على إطلاق إحدى أعضاء هذا الجيش والتي كانت معتقلة في فرنسا بعد اتهامها بمحاولة قتل عدد من السائحين الأميركيين في باريس ·
وبالفعل قام بوديّه بالتخطيط والقيام بعدد من التفجيرات في قلب فرنسا من أجل إجبارها على إطلاق سراح هذه المعتقلة اليابانية ، ونتيجة لهذه التفجيرات وافقت السلطات الفرنسية على إطلاق سراح هذه المعتقلة شريطة مغادرتها باريس وعدم عودتها إلى فرنسا مرة أخرى · وبعدها نفذت عملية مطار اللد التي مازالت تحمل ذكرى سلبية شديدة في إسرائيل، خاصة وأنها كشفت لها أن العرب قادرون على منازلتها ومحاربتها في قلب تل أبيب وليس بعيداً عن حدودها ، الأمر الذي أصاب الإسرائيليين بالقلق الشديد خاصة مع الشعبية الكبيرة التي اكتسبتها هذه العملية بين العرب والرغبة في القيام بعمليات مماثلة في المستقبل · وتذكر الدراسة أن رئيس جهاز المخابرات الأسبق 'يوسف هرملين' زعم وفي إطار تقرير سري رفعه إلى رئيسة الوزراء 'جولدا مائير' بعد هذه العملية أن خطورة عملية اللد - ورغم نجاح القوات الإسرائيلية في إحباطها - ترجع إلى أن العرب باتوا يخططون وبالتعاون مع العديد من الجهات المتشددة في العالم على القيام بعمليات في قلب تل أبيب ، وهو ما يثبت أنهم ليسوا خائفين من إسرائيل على الرغم من القوة الكبيرة التي تتمتع بها والتي أهلتها لاحتلال المناطق العربية بداية من سيناء والضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان بعد عام 1967 ، وهذا في حد ذاته أمر خطير لإسرائيل· بالإضافة إلى إشرافه على التخلص من العقيد ' باروخ كوهين' الذي كان يرأس وحدة العمليات الاستخباراتية الإسرائيلي في أوروبا ، وهي العملية التي تمت في العاصمة الأسبانية مدريد حيث قتل كوهين في أحد المقاهي الأسبانية بعد التقائه بأحد العملاء العرب ممن كان يشرف على عمله · وعند خروجه من المقهى بعد انصراف هذا العميل أطلق النار عليه وأرداه قتيلاً في الحال ، الأمر الذي أهان إسرائيل خاصة مع المكانة الكبيرة التي كان كوهين يتمتع بها والتدابير الأمنية التي كانت تحيط به · ومن هنا قررت رئيسة الوزراء الإسرائيلية الراحلة 'جولدا مائير' ضرورة التخلص من ' الصداع الجزائري ' وقتله مهما كان الثمن خاصة وأن المعلومات التي حصل عليها جهاز المخابرات الإسرائيلية بعد ذلك أثبتت أن بوديّة كان من أبرز المخططين لعملية ميونخ الشهيرة عام 1972 والتي راح ضحيتها 11 رياضياً إسرائيلياً بعد أن احتجزهم عدد من أعضاء منظمة أيلول الأسود قبل أن يلقوا حتفهم جميعاً بعد ذلك في مطار ألمانيا·
فنان··وشاعر
الغريب أن بوديّة كان ومع كل هذه العبقرية العسكرية التي جعلته بمثابة صداع حاد في رأس أحد أخطر الأجهزة الأمنية في العالم فنانا متذوقا للأعمال الدرامية المختلفة بكافة متميزاً في الفنون وبالتحديد الفن المسرحي حيث كان يمتلك ويشرف على مسرح الغرب وكان أحد أبرز الفنانين المسرحيين الفرنسيين ، وتزعم الدراسة أنه كان يقرض الشعر ويؤلف الروايات التي تعرض سواء باللغة العربية أو الفرنسية ·
وكان من أشد المعاونين له شريكته 'ايفلن بارج 'في إدارة هذا المسرح ، حيث كانت بارج من أشد المقربات له وكانت بينهما علاقة غير شرعية استمرت لعدة سنوات غير أنها كانت تدين بالمسيحية ورفضت اعتناق الإسلام وأصرت على الاستمرار في اعتناق دينها حتى لو تزوجت منه وهو ما منع بودية من الزواج منها وكان يتعاون مع بودية وبارج والأختين ناديا ومارلين برادلي اللتان كونا معه وبارج ما يسمى ب' مربع القتل ' القادر على تنفيذ العمليات في أي مكان في العالم·
المؤسف أن القوات الإسرائيلية نجحت في القبض على وبارج والأختين ناديا ومارلين برادلي بعد وصولهن إلى إسرائيل للقيام بعدد من العمليات العسكرية بها ، حيث شك فيهن المحققون في المطار وقاموا بتفتيش ملابسهن التي اكتشفوا أنها مليئة بالمواد المتفجرة المجففة ·
ونتيجة للضغوط التي مورست على كل من وبارج والأختين ناديا ومارلين برادلي في التحقيقات التي أجريت معهن اعترفن بتورط محمد بوديّه في القيام بالعديد من العمليات ضد إسرائيل ، وهو الاعتراف الذي أضيف للعديد من المعلومات الإسرائيلية التي جمعت عنه ،الأمر الذي جعل من التخلص منه مهمة في منتهى الأهمية لإسرائيل خاصة مع تخوف كبار المسؤولين في تل أبيب من تعاطف العرب والجزائريين بالتحديد مع بوديّه والسير على نفس نهجه خاصة وأن العديد من الدراسات الإسرائيلية التي أجريت عن الدول العربية بعد عام 1967 أثبتت أن الجزائريين بالتحديد يمتلكون قوة كبيرة تجعلهم قادرين على منازلة إسرائيل خاصة في ظل البيئة ' المقاتلة' التي نشأوا بها ونجاحهم في إزاحة الاحتلال الفرنسي لدولتهم بالقوة على الرغم من المجهودات الكبيرة التي كانت باريس تقوم بها من أجل الاستمرار في احتلال الجزائر وغيرها من الدول العربية ومثال ذلك الدراسة التي وضعها البروفيسور ' يهودا بن أفيحاي ' أستاذ الأدب العربي في جامعة بن جوريون في النقب والتي اعترفت أن أهم أنجاز وفرته الطبيعة الجغرافية لإسرائيل هو كونها قد ابتعدت عن الجزائر بصورة خاصة وشعوب المغرب العربي بصورة عامة، خاصة وأن هذه الشعوب كانت من أبرز الشعوب العربية التي نجحت في دحر الاحتلال من أراضيها وطرده بالقوة ، الأمر الذي يكسبها قوة كبيرة وشجاعة في مواجهة أي محتل آخر أو مغتصب لأراضيها ولقد كان لرئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير عبارة شهيرة قالتها في حوار أجرته معها أحدى الصحف الفرنسية عندما قالت: أن الرب أنعم على إسرائيل بموقع جغرافي متميز عندما أبعدها وبمسافات كبيرة عن الجزائريين التي وصفتهم بأبناء الصحراء العربية المتعطشين للقتال في أي وقت ومكان·
السقوط
وهناك سؤال يطرح فحواه : كيف نجحت المخابرات الإسرائيلية في الإيقاع ب' الصداع الجزائري '؟ ··توضح الدراسة أن عملاء المخابرات الإسرائيلية وبعد سقوط بارج والأختين برادلي قاما بالتخطيط للإيقاع ب' بوديّة ' وتم الاتفاق وبواسطة خطة وضعها عدد من قادة جهاز المخابرات الإسرائيلية مثل' يوسف هرملين' رئيس المخابرات وأبراهام ألوم أحد كبار القادة في هذا الجهاز على أن أفضل وسيلة لقتله هي زرع لغم في سيارته ، الأمر الذي كان يمثل صعوبة كبيرة خاصة وأن بوديّة كان حريصاً للغاية على تفتيش سيارته بدقة عند صعوده إليها والتأكد من أنها خالية من أي متفجرات أو مواد غريبة زرعت بها ، بالإضافة إلى أنه كان يغير ثلاثة سيارات ولم يكن يكتفي بواحدة ،· ونجح عملاء جهاز المخابرات الإسرائيلية في زرع هذه السيارات بالمتفجرات وتنكروا في صورة عمال بمحطات البنزين وبعض من مراكز الصيانة التابعة لهذه السيارات ، حيث ذكرت تقارير المخابرات الإسرائيلية أن الإنسان الطبيعي الذي يستقل سيارة يجب أن يذهب بصورة دورية إلى محطة البنزين التي لا تبعد أكثر من ستة كيلومترات عن منزله ، بالإضافة إلى ضرورة فحص السيارة ولو لمرة واحدة على الأقل لدى مركز الصيانة كل ستة أشهر ، الأمر الذي جعل عملاء المخابرات الإسرائيلية ينتشرون وبصورة لا تدعو للشك أو الريبة في محطات البنزين القريبة من منزل بوديّة ومراكز الصيانة التي تتبعها هذه السيارات·
وفي إحدى المرات تم زرع قنابل وقتية في الثلاث سيارات الخاصة ب' بوديّة'وهي القنابل التي كانت جميعها يتم التحكم فيها عن بعد· ·وبالفعل وفي صباح يوم السابع والعشرين من يونيو عام 1973 اغتيل بوديّة على يد المخابرات الإسرائيلية ، وهو الاغتيال الذي اتهمت إسرائيل بتنفيذه فور وقوعه غير أنها كانت تنكر دائماً بأنه حدث ·
غير أن إسرائيل وبعد 32 عاماً من جريمتها اعترفت بقتل هذا البطل الذي حاربها ولم يأبه بقوتها العسكرية ولا بعقلياتها الإجرامية التي جعلته أحد أبرز المناضلين العرب الذين آلموا تل أبيب ·
وتكشف هذه الدراسة فصلاً آخر من فصول الجرائم الإسرائيلية ضد العرب ، وهي الجريمة التي اعترفت بها إسرائيل أخيراً والتي تثبت العقلية الإجرامية المسيطرة على هذا الكيان الذي حرص ومنذ زرعه في المنطقة على قتل العرب والتخلص منهم بكل ما أوتي من قوة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©