أعتقد أن حالة الطلب الشديدة على شراء السلع من الأسواق هي أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل الأسعار تحافظ على تصاعدها الجنوني دون أية محاولة للتصحيح السعري المنشود، ولايجد البعض حرجا في وصف هذه الحالة بــ التخمة الاستهلاكية حيث يتجاوز الاستهلاك المعدلات القصوى التي ترتفع عندها أشارات الخطر، ومن يلاحظ سلوك المستهلكين وخاصة العرب منهم في الأسواق وعند اختيار السلع يكتشف أننا في حاجة كبيرة لترسيخ الوعي الاستهلاكي قبل الحديث عن ارتفاع الأسعار· ولعل سلوك قطاعات كبيرة من المستهلكين في شهر رمضان يفتح الباب أمام مناقشة هذه القضية وطرح عدد من التساؤلات بشأنها وفى مقدمة هذه التساؤلات: هل يوجد لدينا وعي استهلاكي، وهل يبدأ هذا الوعي في مرحلة مبكرة وهل مناهجنا الدراسية تهيء الطالب وتعده للتعامل مع السوق من منظور واع، وهل غرس الوعي لدى الاطفال يمثل إحدى القيم التي تحرص الأسرة على أكسابها للطفل، وهل تعي ربة البيت أهمية غرس سلوك استهلاكي في نفوس الأبناء، وهل تدرك الأسرة أن حسن تصريفها لميزانيتها ينعكس بصورة أو أخرى على عافية الاقتصاد الوطني وسلامته·
ومن قبيل الأسئلة الأخرى التي يستدعي الحوار طرحها وأثارة النقاش حولها ذلك السؤال المرتبط بجمعية حماية المستهلك والتي لانعرف شيئا عن نشاطها إلا من ذلك المجلس الرمضاني السنوي، وذلك على الرغم من أهمية الدور الذي كان من المفترض أن تقوم به هذه الجمعية والذي يمثل ركيزة أساسية في ضبط الأسعار في مختلف دول العالم المتقدم إذ تشكل جمعيات حماية المستهلك شوكة حادة في ظهر كل شركة أو مؤسسة أو مجموعة احتكارية للسلع والخدمات تحاول فرض قيمة سعرية معينة على المستهلك، وفي العالم المتقدم تمثل هذه الجمعية ضمير الاستهلاك الواعي إذ بمقدورها اتخاذ مبادرات من شأنها وقف الزحف الاستهلاكي وتكبيد الشركات المنتجة خسائر كبيرة مما قد يدفعها في حالات كثيرة للتراجع وتصحيح السعر·
أهم ماينبغي ادراكه في الحديث عن الوعي الاستهلاكي هو قناعة المستهلك بقدرته على التأثير في السوق وبمستوى يماثل نفس المستوى الذي يؤثر فيه المنتج أو التاجر على الأسعار، إذ أن المستهلك الذي يدرك قوة تحركه في اتجاه خفض الاستهلاك وتقليل معدلاته هو ذلك المستهلك الذي يحسب له منتج السلعة أو التاجر ألف حساب·
في قضية الوعي الاستهلاكي سؤال حائر يقول: ماذا لو خفض كل منا معدلات استهلاكه خلال شهر رمضان ومن بعده يتحول الأمر إلى سلوك مثل تلك الصور التي نراها في الغرب ومن بعض المستهلكين عندما لايشتري من الأسواق ألا مايحتاجه فعلا فتقف في طابور طويل أمام الكاشير ويتملكك العجب عندما ترى من يقف أمامك خاض هذه المعركة لسداد ثمن تفاحة واحدة، وحزمة خضروات، وشريحة بطيخ، في حين يقف الواحد منا تتقدمه عربتان مملوءتان بكل ما لذ وطاب أمام الكاشير ويفرغ كل مافي مخباه، ثم يفرغ العربتين في مخزن المطبخ، وفي اليوم التالي يُعيد الكره مرة ثانية، وكأن الامر أشبه بالعادة أو الادمان على الاستهلاك، وبالفعل هو مرض ومن بعده إدمان واسمه الاستهلاك الأعمى، وعليه العوض في جمعية حماية المستهلك والاتحاد الاستهلاكي الذي لم يستطع كبح جماح تجار المالح فما بالك بمحتكرى تجارة الأرز، والطحين، واللحوم، والدجاج، والحليب، والخضراوات، والفواكه·