يا الله ماذا يفعل الناس في الأسواق، وما هذه الحالة من النهم الذي ليس له ما يبرره، وما هذه الصورة التي تكاد تقول إن الناس يأكلون في آخر زادهم يا الله صور البشر في الأسواق توحي بأن البعض خرج لتوه من مجاعة، مستهلكون يجمعون الأطنان من الخضراوات والفواكه واللحوم والأسماك والنشويات يومياً، أمام كل واحد منهم عربانة ينوء من حملها العصبة من أولي القوة·
كل من يدخل الأسواق والمراكز التجارية منذ بدء رمضان لا يكاد يصدق أننا في شهر الصيام فالبعض يحمل ما يحتاجه وما لا يحتاجه من أطعمة ومشروبات، كراتين كاملة من المياه الغازية والعصائر، جوانٍ من السكر والعيش والطحين تكفي جيوش الاسكندر الأكبر في العصور الغابرة،، أوانٍ من الألومنيوم والصيني والتيفال ومنتجات بلاستيكية وورقية كلها يتم استهلاكها بالأطنان تقديراً لشهر الصوم، ولا نعرف لماذا؟
ساعة واحدة في أحد الأسواق أو محال البقالة الكبرى كفيلة ببث الصدمة والرعب في النفوس، فالناس تحمل من على الأرفف دون أن تنظر إلى السعر أو تاريخ الصلاحية أو حتى الجودة، المهم أن تسرع الأيدي قبل غيرها وتلتقط كل ما لذ وطاب من منتجات، ومن سوء حظ المستهلكين أو النهمين من أتباع طيب الذكر أشعب صاحب الصيت الشائع في التاريخ العربي وذو الباع الطويل في موائد الطعام أن طفرة ارتفاع الأسعار سبقت رمضان بأيام بحيث جاء رمضان متمماً لهذه الطفرة ومعززاً لدورها وكأن الأمر متفق عليه بين معشر التجار الذين آبوا الا أن يكتوي المستهلكون النهمون بنار الأسعار طوال الشهر الكريم·
منذ اليوم الأول لحلول شهر رمضان المبارك فوجئت بأن فاتورة الأسعار التي يأتينا بها السوبر ماركت صارت أشد لهيباً من ذي قبل فالأسعار فلكية والبضاعة كما هي لم يطرأ عليها أي تغيير أو تطوير، ولما وجدت الأمر هكذا فاتورة من لهب يرمينا بها كل مساء راعي السوبر ماركت قلت في نفسي ولم لا أذهب للسوق وأضع النقاط على الحروف، وذهبت ويالهول ما رأيت وشاهدت من عجائب الدنيا السبع، فالحياة لم تعد وردية كما كانت، وراعي السوبر ماركت لم يكن مبالغاً عندما يحصد في المساء ثمنا لفاتورته أكثر من معاشي اليومي·
كانت الصدمة في السوق فوق تصوري بل خارج نطاق توقعاتي، فالأسماك واللحوم والدواجن والبيض والطحين والعيش واللومي وحتى الصخام كلها حملت أسعاراً فلكية لا أعرف متى هبطت علينا من السماء ولا متى تنقشع غمتها، أكثر من ساعتين في سوق السمك واللحوم والخضراوات وأنا أضرب كفا بكف وأكرر ذلك السؤال الذي كان يعلمنا اياه استاذ الصحافة في كتابة الخبر، وفي كل مرة أتوقف عند كلمة لماذا؟ نعم لماذا ارتفعت الأسعار، ولماذا تصاعدت بهذه المعدلات الجنونية ولماذا ارتفع سعر كيلو النعناع الأخضر إلى عشرين درهماً بعد أن كانت الجونية منه في سوق العين بروبية، وغدا نواصل·