الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

موسى عمر حارث الألوان

موسى عمر حارث الألوان
29 سبتمبر 2005

مسقط ـ مصطفى المعمري:
يقدم الفنان التشكيلي موسى عمر في معرضة الشخصي الخامس الذي يقام في العاصمة العمانية هذه الأيام (50) قطعة من اعمال الخزف تتناول الموروثات الشعبية والمدن، وهذا المعرض هو اول معرض للخزف في
سلطنة عمان·
والفنان موسى عمر في اعماله الخزفية كما في لوحاته التشكيلية يحيل صورة المكان الحسية الى امكنة مجازية متخيلة، فمع انه يعتمد في خطابه على معطيات وعناصر منتقاة من البناءات الحسية الخارجية إلا انه يغير من هيئتها ويبعدها عن كافة التوظيفات المرتبطة بالصورية المتعارفة في الوجود الفعلي، وفي الانساق الفنية التقليدية ليضع نسقاً بصرياً ينسل خارج سياق الابعاد المادية المدركة للعالم الخارجي· لذا تبدو تلك المدن اشبه بإعلان لميلادات متوالية جمالية للحيز تحلق به في مدارات لا يقننها الواقع·
ذاكرة التفاصيل
وفرة الصور عند موسى عمر وتدفقها بالاشكال ذات الحمولات الدلالية يشير الى ان ثمة خزان مكتظ بالتفاصيل البصرية يغترف منه لمنتوجه، او هي بمعنى آخر الذاكرة التشكيلية المشبعة بالإرث الثقافي الفني الجمعي يتمثلها الفنان على نحو ضمني داخل خطابه البصري المعاصر، فتنداح بناءات عضوية للشكل أنى شاءت لها مخيلته في نسيج تشكيلي يتعاطى ممارسة مغايرة تتكئ على كشوفات فنون الحداثة، وتتداول قابليات تشكيلية متعددة· ففي الوقت الذي تعلن فيه لغته عن نزوع تجريدي الا انها تخرق هذه المرجعية عندما تنزاح ايضا الى اختيارات تعبيرية· وفي سياق هذه الثنائية تتشكل الاعمال لتعلو فيها نبرة الحس التجريدي تارة، بينما تتقدمها المسحة التعبيرية تارة اخرى·
يقول موسى عمر في حوار لـ (دنيا الاتحاد) حول تجربته ورؤيته التشكيلية، انه يلتمس فلسفة الروح والمكان والوجدان العجيب التي تنتج فيه روح المدن بتكوينات هندسية غريبة، وفيه رموز واشارات ومفردات ذات طابع صوفي جميل فيه ايقاع متناغم ومترادف ووحدات هندسية تلقائية، وفيه مناخ مرتبط بالمنازل والنوافذ والكتابات غير المفهومة التي لا نقصد فيها الغموض·
الإنسان والجدران
ويتحدث موسى عمر عمّا يمثله الفن بالنسبة له فيقول: الفن وسيلة واداة للتعبير وللتخاطب مع المجتمع وكثيرا ما يلجأ الفنان لتحقيق تلك الرغبة الى استخدام الرموز الهادفة والواضحة حتى يسهل فهمها على نطاق واسع·
وفي اعمالي مقاومة للصمت الخارجي تتجلى في الإحساس بالإنسان المتواجد دوما خلف وأمام الجدارن··· نشم رائحته التي تنقل لنا إحساسه تجاه المدن والبيئة، فالبيئة الشعبية التي ارصدها عبر هذه البيوت المغلقة بالنوافذ والمشربيات اقوم بدوري في تصوير أرواحها المتحابة والمتعاطفة· أما بصمات الإنسان على هذه الجدران فهي تخطيطات عفوية في الذاكرة واحساس مرهف بالخط العربي من خلال تثبيت بعض الكلمات والحروف التي لا تقدم طرحا واضحا لكنها تقدم جمالية فائقة لاندغامها في التكوين العام للعمل الفني· وبحثي التشكيلي لها يستند بالدرجة الاولى الى تلك العناصر·
انني كفنان عماني تهمني كثيرا مشكلة التراث وأرى ان مهمتي تنحصر في فهم روح جوهر هذا التراث وعلى هذا الفهم يجب الاعتماد بشكل اساسي في تأليف منتجات فنية معاصرة يمكن ان تكون مفهومة في الحاضر والمستقبل·
كوكبة من الخامات
يحشد موسى عمر في اعماله كوكبة من خامات متنافرة مثل الخيش والازار العماني والحصير، وهي مفردات عمانية تتوافق وخامات البيئة ومضمون الفكرة التي تحملها الاعمال التشكيلية·
ويتعمق في طقوس المدائن، فهو يغوص في اعماق الطبيعة والبيئة العمانية، ويقلب اساطير الانسان العماني ويسجل تراثه وفنونه العريقة، حتى ان المشاهد لهذه الاعمال يجد ذاته يغوص في اعماق الاساطير، فتراه حيناً في مدينة علاء الدين الاسطورية، وتراه مرة اخرى يبحر مع السندباد الى مدائن واساطير الف ليلة وليلة، فيعيد تكوين بنائها، ومنازلها، ويشكل هياكلها ومساجدها ومعابدها وجدرانها العتيقة·
ويجدد واجهتها التي يتكئ على حجارتها الاطفال والنساء، ينتظرون ويتأملون في البعيد، حيث يسكن القمر في ركن قصي من اركان اللوحة، وتسكن طقوس اخرى في باقي الاركان·ويأتي اختيار اللون كمرحلة اساسية في تكوين العمل وتشكيله، فاختيارات موسى عمر للألوان تعتمد على عوامل عدة، منها مثلا انه يميل في لحظة ما الى لون معين، ويتعامل معه على اساس من العشق والتماهي في تكويناته وتدرجاته، حتى اذا ما شعر باستنفاد طاقته، ووصوله الى حد ومستوى معين، يعود ليقلب في لون اخر يجد انه اقرب لمضمون اللوحة وفكرتها، او اقرب للون السابق او مكمل له، فيبدأ معه دوامة اللون السابق وهكذا·
لكن موسى عمر يجافي ـ ان صح التعبير ـ الوان العتمة والسواد، رغم انه في بداية تجربته او في احدى مراحله على نحو أدق، كان اللون الأسود وتدرجاته يفرض وجوده وكيانه على اعماله، نظرا لاشتراطات المدينة التي يؤسسها في اعماله، ولاشتراطاتها الاخرى التي تفضي الى معاني الحزن والتشاؤم وتعابير اخرى مقاربة·وبذا فحينما تطل على أعمال موسى عمر تجد كل تلك المعاني والافكار متجمعة في لوحة واحدة، لكن ثمة اختلاف ومسالك بين لوحة واخرى، فما قد تشعر به من الهام وذاكرة امام لوحة معينة، قد تجده اكثر او اقل في لوحة اخرى، غير انك لا بد ان تخرج بجديد من كل عمل تطالعه من اعمال موسى عمر، هذا الفنان المتجدد، والباحث عن التطوير والتميز، وعلى هذا فبعد انتهاء جولتك في المعرض تشعر بحنين ما يقودك الى مدائن اسطورية رسمتها المخيلة قبل قليل، وتكتشف انك بحاجة الى عودة لقراءة جديدة للوحات موسى عمر من جديد، إذ ثمة أشياء يطرحها في اعماله لم تكتشفها بعد·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©