يبدو أنه كتب علينا أن نكرر مشاكلنا ومتاعبنا اليومية، وننظر الى هذا التكرار على انه خبز وملح لايمكن لبيت الاستتغناء عنه، ومن المشاكل التي باتت مزمنة ومؤرقة منذ سنوات والتي نتعاطى معها بفلسفة غريبة ومؤلمة في آن واحد تلك القضايا والمشكلات الخاصة بالصيد والصيادين ورعاة البحر·
ويستغرب المرء من حالة البلادة التي تتعامل بها بعض الجهات المعنية مع مشاكل الصيادين في الدولة بل لانبالغ أذا قلنا أن جهات كثيرة ممن يعنيهم الأمر فيما يتعلق بشؤون الصيادين تتعاطى مع مشاكل هذا القطاع بمنطق لا أرى لا أسمع لا أتكلم، وهذه الجهات ترى حالة التردي التي يعيشها قطاع الصيد منذ سنوات ولاتحرك ساكنا وترى الأوضاع المؤلمة التي تحاصر الصياد المواطن فلا يرق قلبها ولاينخلع فؤادها ولاينكسر خاطرها وهي ترى مهنة الاجداد تندثر وتكاد تتلاشى في زمن صار فيه أبن الصياد موظفا وراعيا للاسهم وتاجرا وأستاذا في الجامعة وصارت مراكب الصيد بدون شراع ولا نهام ولانوخذه يقودها الى جني خير البحر الذي تنعم به شواطئنا·
تجارب كثيرة ونظريات أكثر مرت على هذا القطاع الذي كان في يوم من الايام بترول الآباء والاجداد لدى بعض شرائح المجتمع فأذا به يتحول اليوم الى هم لايجد من يفرجه وفي كل مرة يطل علينا المنظرون بنظريات جديدة حول هذا القطاع نجد أنفسنا في موقع الطير الذي يرقص مذبوحا من الألم، وهي حقيقة يعيشها العاملون في صيد الاسماك اذ يعاني بعضهم وخاصة في الامارات الشمالية من مشاكل تحد من تواصلهم مع هذه المهنة، وتضع ألف حجر عثرة في طريقهم·
وعلى الرغم من أن هذه المشاكل واضحة للعيان وبارزة وليست في حاجة لمن ينقب عنها او يبحث عن جذورها أو يرهق نفسه في دراسة اسبابها وتحديد الظروف والعامل التي دفعت بها الى السطح، على الرغم من ذلك كله فإن هواه التنظير يتحفوننا كل يوم بنظرية جديدة حول قطاع صيد الاسماك، والنظرية الوحيدة التي لم يتحفنا بها البعض حتى اليوم هي تلك النظرية التي تضع النقاط على الحروف وتحدد اجندة واضحة المعالم لمواجهة مشكلات الصيد والصيادين وفق آلية مدروسة يتم من خلالها الجلوس مع الصيادين ونزول السادة المسؤولين في الجهات المعنية بالتنظير الى هؤلاء والجلوس معهم والاستماع الى مشاكلهم التي تستحوذ على مساحات شاسعة من المعالجات الاعلامية المحلية منذ سنوات ولاتجد لها حلا حتى اليوم·
وبحسب الصيادين الذين جلست معهم على شواطيء كلباء والفجيرة والقرية والمعيريض والرمس وغليلة وشعم فإن مشاكل الصيادين تنحصر في غياب الدعم المالي المناسب وعدم الاهتمام بتطوير القطاع ونقص الموارد المالية المخصصة لشراء المعدات وتجهيزات الصيد، ومشاكل اخرى مرتبطة باستقدام العمالة الوافدة من الصيادين والبيروقراطية التي تحد من سرعة الاستقدام، وكذلك مشاكل خاصة بغياب آلية مدروسة لتسويق الانتاج خاصة في المواسم التي تكثر فيها معدلاته والتي يضطر فيها بعض الصيادين الى إلقاء الاسماك مرة ثانية في البحر أو توزيعها مجانا على الجيران·
مشاكل الصيادين تؤرقهم ليلا نهارا من أكثر هذه المشاكل أرقا تلك المشكلة الخاصة بانفصال الابناء عن المهنة وهو مايعني دخول مهنة الصيد خلال سنوات الى عالم النسيان بحيث تصبح من تراث الاباء والاجداد وفي هذه الحالة لن يجدي قولنا عليه العوض·