التذمر سمة من سمات الإنسان العربي، والإحساس بالاحباط وعدم الرضا، تتلبس شخصية الإنسان العربي منذ أن يولد وحتى مماته·· انسان يضيق ذرعاً بالنظم والقوانين، تجد ذلك في الشارع والعمل وفي الأسواق وفي أي مكان تذهب إليه، تصادفك هذه النماذج، المتشائمة، المتبرمة، المتضايقة من كل شيء، فلا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب·· هذه نماذج تسلحت بطموحات تفوق امكانياتها وتشبعت بأمنيات تتجاوز حدود واقعها، لذلك تجدها دائما مصدومة، مكظومة، مهمومة، وكثيرا ما تكون حاقدة، ناقمة، وعندما تسأل الواحد من هؤلاء لماذا كل هذا الاحتقان، يجيبك بكلمة واحدة: أنا مظلوم·· وعندما تتأمل هذا الشخص جيداً تجد ان المسألة لا تتعلق بالآخر، بل ان المشكلة تكمن في الشخص نفسه·· هؤلاء الأشخاص عجزوا عن التصالح مع أنفسهم وعجزوا عن التواؤم مع الآخر وعجزوا عن قبول كل ما هو نظام أو قانون·· هؤلاء الأشخاص يريدون أن يحصلوا على كل شيء بوضع اليد، دون النظر الى ان ما يريدونه هو حق للآخر، لذلك تجدهم متشائمين، منقبضين، متورمين كالفقاعات·· فالطفل يريد ان يستولي على كل شيء في منزل ذويه، متجاوزا حقوق أشقائه، والطالب المحدود الذكاء والكسول يريد ان يحصل على أعلى الدرجات، والموظف يريد ان يحرق المراحل ويتسلق سلم الوظيفة بسرعة البرق متجاوزا أقرانه·· وإن لم يحصل على ذلك، فإن النقمة تنهال على النظم والقوانين والمسؤولين ويصبح هو المهزوم، المظلوم بالفعل·
هذه ثقافة مجتمعات تشربها الناس منذ نعومة الأظافر ولا يمكن ازالتها بضربة عصا موسى·· نحن بحاجة الى اعادة صياغة وتهذيب وتشذيب هذه الثقافة واصلاح عطب قرون لحق بالشخصية العربية·· والاصلاح يبدأ، من قيم الإنسان والشعارات الباهتة التي تعلق بها·· وإذا لم تقم المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية بدورها كما يجب سيظل الجميع يشعر بالنقص والفاعل مجهول·