لا يمكن النظر إلى هذا الشخص الجشع الذي يستقدم دجالاً ويطرق بابه ويضع بين يديه الملايين من الدراهم أو الدولارات لمضاعفتها على أنه ضحية، اذ أن قواعد التفكير المنطقي تقول: هذا ليس ضحية بل يعتبر من وجهة النظر المحايدة التي تحكم بعيداً عن العواطف شريكاً في الجريمة·
فهذا الشخص الجشع الذي قاده الطمع وحركته الأحلام الوردية نحو البحث عن ثراء من الخيال فكر وخطط ونفذ وذهب بمحض إرادته إلى هذا المشعوذ أو ذاك، وطرق بابه مرة ومرتين إلى أن تأكد الثاني من خيبة الأول ولمح في عينيه جشعاً لا حدود له، كما أن الشخص الذي ننظر إليه في هذه القضايا على أنه ضحية لم يكن مسلوب الإرادة ولا عاجزاً عن التفكير أو اتخاذ القرار، وليس في عجلة من أمره، ولم تقده الصدفة إلى مسرح الجريمة·
إذ أن كل الذين يذرفون الدمع على ضياع بيزاتهم وذهابها مع الريح على أيدي هؤلاء الدجالين والمشعوذين لا يقلون جرماً في حق أنفسهم ومجتمعهم، فقد تركوا الحلال واتجهوا إلى الحرام، ولفظوا العمل والكد والتعب واتخذوا من الجهل والدجل وسيلة ليس لتحقيق الثراء بل لمضاعفته مرات ومرات·
ولا يعقل أن يكون رجال الأعمال هذا الذي ذهب إلى البنك وسحب 200 ألف دولار ووضعها في حقيبة وانطلق إلى فندق في السكيك وحمل الدجال والمال إلى فيلا تابعة له وترك الدجال يستحضر كل عفاريت مثلث برمودا، وقبل أن يصرف من جلسة الشياطين هذه لم ينس أن يترك للدجال المحظوظ طعامه وشرابه بل وكلف مطعماً مشهوراً بتوصيل طلبات مولانا يومياً، لا يعقل أبداً أن يكون صاحبنا مغرراً به أو ضحية أو مجنياً عليه·
وفي قصص هؤلاء الدجالين صفحات كثيرة تنافس هاري بورتر ولكن هذه الصفحات لا تزال في طي الكتمان إذ يفضل معظم هؤلاء ــ الذين لا نحسبهم ضحايا بل شركاء ــ ابتلاع الفضيحة والصبر على المصيبة، ولا يُحدث إلا نفسه خوفاً من أن تكون قصته على كل لسان·
وهؤلاء الذين لا نحسبهم ضحايا في حاجة إلى وقفة جادة ونظرة قانونية مغايرة تجعل المتورط منهم يتحمل جزءاً من الخيبة التي قاد نفسه إليها وبعد أن سقط في براثنها هرول سريعاً إلى الشرطة تسبقه الأيمان المغلظة والقسم بالله تعالى أنه لم يكن يدري وأنه ذهب للدجال ظناً منه أنه مطوع يستفسر منه عن بعض أمور الدين·
متورطون كثر لم يتورع الواحد منهم عن التعامل مع المأساة باعتبارها سقطت عليه من السماء فهو لم يكن يعرف، ولم يجرب الأمر من قبل، ولم يكن هناك من يحذره وإلى غير ذلك من قاموس التبرير الذي لا يفيد يوم تقع الفأس في الرأس·
بصراحة لا أجد نفسي متعاطفاً مع أي من هؤلاء الذين يزعمون أنهم ضحايا، فالوعي موجود ونور العلم يفترض أنه سطع في قلوبهم، وعلى الرغم من ذلك يعطي كل منهم عقله إجازة ويترك الحبل على الغارب، ويدخل ظلمة البحث عن البنكنوت تحت الدخان الأزرق وبصحبة ربع مثلث برمودا·
هؤلاء ليسوا ضحايا بل إن أحداً منهم لا يستحق كلمة عليه العوض·