تطوير التعليم ليس هاجساً محلياً فحسب بل هو أحد أبرز الاهتمامات الوطنية التي تتصدر أجندة العمل التنموي في مختلف دول العالم، وعلى سبيل المثال فإن الانفاق على التعليم وارتفاع كلفة الدراسة في الجامعات البريطانية يشغل حاليا بال السياسيين وصناع القرار هناك، وقد تصدرت أخبار سهولة امتحانات الشهادة البريطانية في المستوى a- level الصفحات الأولى في الصحف البريطانية لدرجة أن بعض هذه الصحف شبهت الأمر بــ العاصفة التى ستطيح بوزير شؤون التعليم هناك إذ أن سهولة الامتحانات لهذه الدرجة ستضاعف من الضغط على مؤسسات التعليم العالي البريطانية، وتزيد من الطلب عليها في الوقت الذي تعاني معظم هذه المؤسسات من نقص في الموارد المالية المخصصة للتعليم العالي·
ويعتبر تخطيط المستقبل التعليمي القضية الأولى التي تشغل الأسر البريطانية خاصة تلك الأسر التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة حيث تتراوح التكلفة السنوية للرسوم الدراسية التي ينبغى على الطالب سدادها للجامعات هناك حوالى 3 آلاف جنيه استرليني وهذا بخلاف الرسوم الخاصة بالمختبرات الدراسية واستخدام المكتبة ومصادر المعلومات وغيرها من مستلزمات العملية التعليمية، وقد دفع هذا الأمر ببعض الطلبة للحصول على قروض دراسية بفوائد قليلة حتى يتمكنوا من الالتحاق بالجامعات ويتعهد الطلبة بسداد هذه الرسوم بعد التخرج والحصول على عمل·
وفي محيط الجامعات البريطانية من النادر أن تجد طالبا أو طالبة لاتعمل خلال فترة الدراسة فهذا يعمل فى مكتبة، وذاك في مطعم، وهذه في محل لبيع الملابس وهكذا يبذل الطالب جهدا كبيراً هناك لتأمين نفقاته الدراسية من خلال العمل الإضافي إذ أن الدراسة الجامعية تمثل فرصة العمر لأي طالب وبوابته الذهبية نحو مستقبل واعد·
لا يقف الاهتمام بتطوير التعليم في بريطانيا عند الجهد الحكومي فالحكومة لاتلعب وحدها بل يتركز جل هذا الاهتمام على القطاع الخاص ممثلا في فروعه المختلفة من البنوك والمصارف وشركات تقنية المعلومات والمؤسسات الصناعية والالكترونية وغير ذلك من رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال الذين يشاركون في رسم استراتيجيات تطوير التعليم وتحديد الاطار العام للمهارات التي ينبغي على التعليم غرسها لدى الطالب وهي مهارات ترتبط بسوق العمل والاتصال مع العالم الخارجي وفنون البيع والترويج وغيرها من المهارات التي تعزز ثقافة الابداع والابتكار العلمي من جانب الطالب·
في النموذج البريطاني للتعليم خاصة والنموذج الغربي عامة التعليم ليس مجرد قاعات دراسية تكتظ بالطلبة ويتصدرهم معلم يمسك بيديه كتابا بل هي معامل لتفريخ المبدعين ومن هناك تأتي التكنولوجيا المتطورة وتظهر الموبايلات الحديثة وتقنيات البلوتوث - التي يستخدمها البعض في هتك أعراض الآخرين - والبرمجة الالكترونية، وصناعة الفضاء، والصناعات العسكرية، وغيرها من التخصصات الطبية والهندسية وعلوم الليزر·
من هذه العقول المتعوب عليها في الدول ذات النظم التعليمية المتطورة تخرج الابداعات والابتكارات التي نجد أنفسنا في أشد الحاجة إليها فهل يدخل القطاع الخاص على الخط ويساهم في تطوير التعليم من خلال رفده بموارد مالية أم سيظل هذا القطاع متفرجا كالعادة·