الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مرسي سعد الدين:الغزو الثقافي وهم الضعفاء

5 أغسطس 2005

القاهرة- احمد الجندي:
الاستشراق والمستشرقون قضية تثير الجدل في كل وقت وبدأ الاهتمام بها منذ سنوات بعيدة، فالبعض يرى انه كان هناك ولا يزال دور مهم للاستشراق في تقوية العلاقات بين الامم وتقريب وتمازج الثقافات، وهؤلاء يؤكدون ان المستشرقين لعبوا دورا مهما في الحملات الاستعمارية التي كانت تأتي من الخارج في حين يرى البعض الآخر ان المستشرقين لعبوا دورا سلبيا للغاية في مجتمعاتنا وثقافتنا، حيث تعاملوا مع تراثنا وثقافتنا وفق رؤيتهم ومفاهيمهم· هذه القضية كانت محور ندوة مركز رامتان الثقافي بالقاهرة التي استضافت د· مرسي سعد الدين الكاتب والمفكر وصاحب بحث متعمق في قضية الاستشراق من خلال كتابه 'سحر الشرق'·
وأكد الدكتور مرسي سعد الدين ان مشكلة الاستشراق قديمة، وان الذي بدأها واعطاها جانبا اكاديميا هو د· ادوارد سعيد عندما الف كتابا عنها جاء فيه بنظرية تربط بين الاستعمار والاستشراق وكذلك نظرة الاستعمار للآخر، فهو الذي جاء بتعبير 'الآخر' سواء الاخر في خارج بلده او داخله حيث كان يعتبر نفسه مغتربا داخل اميركا رغم انه يحمل الجنسية الاميركية·
وقال انه ليس كل الاستشراق سيئاً وهناك من كتب عن مصر بحب حقيقي ورغبة في معرفة البلد، ومنهم المستشرق ادوارد الذي ألف كتاب 'عادات وتقاليد المصريين المحدثين' والذي جاء الى مصر عام 1925 لأول مرة، وكان قد تعلم اللغة العربية وترجم 'الف ليلة وليلة'، وألف كتابا عن قواعد اللغة العربية· وعاد إلى مصر مرة اخرى عام 1946 وعاش بها 7 سنوات وكان يرتدي الملابس المصرية ويتحدث العربية، واتخذ لنفسه اسما مصريا واستطاع ان يتغلغل في صميم الحياة المصرية واصبحت كتبه من أهم المراجع عن مصر خاصة في فترات حكم محمد علي·
مستشرقون ومستشرقات
واشار إلى أن الأمر لم يتوقف على المستشرق الرجل فقد شهدت مصر بعض المستشرقات اللاتي عشن بها وألفن كتبا عنها ومنهن 'صوفيا' شقيقة 'ادوارد' التي ظلت في مصر عدة سنوات· واصدرت كتاب 'الحريم في مصر في عهد محمد علي' بعد اختلاطها لسنوات بالمرأة المصرية· ومن السيدات اللاتي جئن لمصر وعشن بها وكتبن عنها 'الليدي لوسي' التي كانت تعاني مرض السل ونصحها الاطباء بالعيش في جو دافئ فجاءت الى مصر وعاشت في مركب على النيل وكان كتابها 'رسائل من مصر' من أهم كتب المستشرقين الذين تعرضوا لشتى مناحي الحياة مثل الدين والتعليم والعادات الاجتماعية·
وأكد د· مرسي سعد الدين ان الكثير من المستشرقين نددوا بالظلم الذي يتعرض له المصريون على ايدي الانجليز، ومن أهم ما طرحته كتب هؤلاء المستشرقين ما تعلق بالنسيج الاجتماعي في مصر حيث تقول احدى الكتابات: لقد اكتشفت انه لا توجد اختلافات بين المسلمين والمسيحيين سواء في العقيدة أو الاخلاقيات، ولا يوجد من يحاول ان يطبق اسسا مختلفة تمس العقيدة او السلوكيات سواء كان مسلما او مسيحيا، والاختلاف الذي ارصده هنا هو بين الشرق والغرب وليس بين المسلم والمسيحي· والفرق الحقيقي يمكن ان يكون في قدرتنا على الفهم بأن الاختلاف اختلاف ثقافات وليس اختلاف ديانات·
وقال ان اشكالية الاستشراق هي المعرفة بالاخر، وأن كلمة استشراق تحتاج إلى تحديد، فهناك الشرق الاقصى وهناك الشرق الاسلامي غير العربي، وهناك الشرق الاسلامي العربي الذي تعتبر مصر جزءا منه· كما أن هناك اختلافا حول: متى ظهر الاستشراق وهل في القرن العاشر أم الحادي عشر؟ وما الذي يركز عليه الاستشراق: هل يركز على القوميات أم الاسلام أم المجتمعات؟ ولا بد أن نتذكر أن معظم المستشرقين مستعربون أي يعرفون اللغة العربية كأداة مهمة يستطيعون من خلالها التعمق في دراسة الدين وسهولة التخاطب مع الناس·
الاستشراق والتاريخ
وحول ما اذا كانت هناك علاقة بين الاستشراق والتأريخ قال: ان التأريخ يعتمد على جهد وعمل اشخاص اكاديميين لأن المؤرخ راصد وباحث دقيق، اما الاستشراق فهو مبني على مشاهدات واستنتاجات· وأكد ان ما قدمناه للغرب يستحق كل تقدير فما كان الغرب لينهض لولا استعانته بما سبقناه إليه فالحضارة ليست ملكا لأحد ونحن نمتلك حضارة ذات تجليات عظيمة وساحرة لم نستطع حتى الان كشف أسرارها، ولكن الغرب هو الذي يؤرخ للحضارة لظنه انها بدأت عند اليونان وخاصة الفلسفة والفكر النظري، وهناك الآن كتابات تؤكد وجود فلسفة شرقية قديمة قبل الفلسفة الغربية· وأوضح ان حملة نابليون جاء معها علماء قدموا كتبا في وصف مصر وكان نابليون في مواجهة مع الانجليز وكانت له اسبابه السياسية ولا أحد ينكر اننا استفدنا من علماء الحملة الفرنسية وانهم كانوا فاتحة تجديد في مصر·
وأكد ان الحضارة المصرية ليست ضعيفة كما يزعم بعض الناس، وإذا كان هناك صراع حضارات فهو صراع متكافئ فحضارتنا اعرق وأعمق وارفع· وهناك مبالغة في فكرة الغزو الثقافي لانها تعكس ضعفنا ونحن لسنا ضعفاء فثقافتنا تستطيع الوقوف في مواجهة اي ثقافة· وقال ان محمد علي بدأ إرسال البعثات المصرية للدراسة والتعلم في الخارج فعادوا مستغربين بعد ان تلقوا علومهم في الغرب وهذا أحدث نوعا من التوازن وقتها حيث عادوا بالفكر الحديث وانشأوا مدرسة للترجمة وفتحوا الشهية للتجديد· وكان رفاعة الطهطاوي عالما جيدا بالاسلام وبمصر فعرف كيف يستفيد عندما ذهب الى الغرب ورأى نظاما اكثر تقدما وتجربة· وفي كتابه الشهير 'تخليص الابريز' سجل كل ما رآه ويستحق ان يحتذي به الناس في مصر وليس كما نفعل نحن الان حيث نستغرب بشدة وكلما تعلمنا لغة جديدة نسينا لغتنا، في حين أن المفروض ان نستخدم هذه اللغات التي نتعلمها كأدوات للمعرفة والنقل· وأكد ان جميع ما تعلمناه يعد استغرابا وجميع العلوم التي ندرسها تأتي من الغرب وقد لا نكتب عن الغرب كما كتب الغرب عنا وانما ندرس علوم الغرب وجامعاتنا تركز على ذلك·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©