يبدو أن جهود التوعية المرورية في واد والجمهور المستهدف في واد آخر بل يبدو أن قناة الاتصال بين الطرفين مسدودة تماماً ونوع الحوار الذي يجري بين الطرفين يطلق عليه حوار طرشان بامتياز، فالجهات المعنية بالتوعية المرورية تتحدث عن التوعية وتعدد لنا بين حين وآخر المحاضرات التي نظمتها وأعداد المستهدفين والجمهور الذي شارك في هذه المحاضرات·
وعندما نسمع كلام المختصين في التوعية المرورية نصدقهم وعندما نرى الواقع نضرب كفا بكف فالشارع لا يكذب ولا يتجمل والحوادث فيه بالجملة ومعدلات الوفيات بسبب حوادث السيارات في تصاعد مستمر بل إنه لا يكاد يخلو مستشفى يومياً بل وعلى مدار الساعة من ضحية بريئة راح تحت تواير موتور أو انحشرت جثته بين مقاعدها، ويكاد يكون تشخيص التخطيط المروري في كل هذه الحوادث واحداً إذ تنحصر عبارات التخطيط بين كلمتين هما عدم الانتباه والسرعة الزائدة·
ومنذ أيام كنت في طريقي من أبوظبي إلى دبي وخطفت بالقرب منا سيارة وكأنها طائرة من حيث سرعتها وعلى الرغم من وجود الرادارات إلاّ أن السيارة كانت تسابق الريح، وتهز الأرض من تحتنا بل إن سرعتها الشديدة دفعت بكتل الهواء صوب سيارتنا التي كادت تنحرف من شدة هذه السرعة وتمنيت لو أدرت رقم هاتف الشرطة لمتابعة هذه السيارة، ثم قلت في نفسي قد يكون الأمر مجرد نزوة في نفس قائد هذه السيارة ثم سرعان ما يعود إلى صوابه ثانية·
بيد أن الأمر لم يكن مجرد نزوة فقد واصلت السيارة طيرانها بسلام واختفت عن أنظاري مخلفة لديّ عدداً من التساؤلات التي شغلت ذهني لمدة نصف ساعة تقريباً ولم أفق من هذه التساؤلات إلاّ عندما فوجئت ببطء حركة السيارات وتحذيراتها لمن خلفها بضرورة تهدئة السرعة وتصورت في بداية الأمر أننا أمام حادث سيارة عادي من نوع بنشرة التاير أو تدهور سيارة بسبب نوم السائق أو تصادم خفيف أو غيره من الحوادث التي تمثل خبز وملح جميع شوارعنا صغيرها وكبيرها·
ولكن الكارثة التي هزت كل خلية في جسدي كانت فوق الوصف فقد فوجئت بأن الحادث للسيارة الطيارة التي كانت تسابق الزمن للحاق بموعدها مع القدر المحتوم فقد كانت الضحية هي الفتاة التي خطفت علينا من قبل، ورأيت المنظر الذي اقشعرت منه الأبدان لدرجة أن البعض ذرفوا الدموع على هذه الفتاة التي راحت وهي في عمر الزهور، كانت حالة الفتاة منتهية تماماً فقد لقيت وجه ربها في الحال، ولم يكن هناك أمل في انقاذها فقد لفظت أنفاسها الأخيرة بعد رحلة السباق المروعة مع الموت·
منظر السيارة وقد تحولت إلى أشلاء لم يكن بأحسن حالاً من منظر الفتاة التي ذهبت مع الريح، فقد تناثرت قطع السيارة وسط الطريق وكأنها كانت في معركة حربية، حضر رجال الشرطة والاسعاف والانقاذ وغيرهم، وحضرت معهم تساؤلاتي وحيرتي عن جدوى التوعية المرورية، وغداً نواصل·