ما كتبناه أمس عن تزوير الشهادات بمثابة بلاغ لمن يهمه الأمر فالقضية ليست هينة وإنما تتجذر في صلب العمل المؤسسي في الدولة سواء كان اتحادياً أو محلياً إذ لا يمكن التسامح مع من اقترفت يداه جريمة تزوير بالعمل، فهو في المقام الأول لم يكن أميناً مع الوطن الذي لم يبخل عليه وثانياً لم يكن أميناً مع القيم التي تربينا عليها في هذا المجتمع، وثالثاً وهذه هي الأدهى أنه ليس أميناً مع الجهة التي التحق بها، ورابعاً فإن ما بني على باطل فهو بطال إذ كيف تستأمن دائرة أو جهة ما شخصاً من هؤلاء الذين اقترفوا جريمة التزوير وتفتح لهم أبواب العمل في أقسامها المختلفة، ومن يضمن لنا أن هذا الطالب الذي أصبح موظفاً اليوم وبنى حياته الأكاديمية على الغش ألا يمتد غشه إلى طبيعة عمله، من يضمن ذلك ومن يجزم بأننا سنكون أمام موظف محترم يحمل المسؤولية بشرف ويؤدي الأمانة بنزاهة·
قضية تزوير الشهادات ليست علبة عصير خايسة تم ضبطها في محل بقالة وانتهى الأمر بل هي أخطر من ذلك ملايين المرات إذ أن علبة العصير قد تستهدف شخصاً واحداً هو الذي تناولها في حين أن خطر هؤلاء المزورين يمتد إلى شرائح كثيرة في المجتمع، وعلى سبيل المثال هذا الطالب المزور عندما يعمل في جهة مالية ماذا تنتظر منه أو عندما يعمل في جهة مرتبطة بالعقود والمناقصات، أو عندما يكون مسؤولاً عن الآخرين؟·
الموضوع خطير جداً وليت الجهات المعنية بالتوظيف من الخدمة المدنية والتنظيم والإدارة تتعامل مع الأمر بالأهمية التي توازي مستوى الخطورة، وما يجعلنا نؤكد خطورة الأمر أن بعض هؤلاء المزورين وجدوا طريقهم إلى عدد من المواقع الوظيفية المحترمة وللأسف فإن التعليم العالي كان يتعامل مع هذه الحالات بحرص شديد على مستقبل هذا الطالب المزور وكان يدرك أن بعض هؤلاء المزورين قد يكون غرر بهم وبالتالي ليس هناك ما يدعو لتحريك الأمر إلى الجهات الأمنية والقضائية المختصة ولكن على ما يبدو أن المثل المعروف من أمن العقوبة أساء الأدب كان حاضراً في هذه الحالات فقد تمادى البعض، وصارت عيونهم مثل السهام المسمومة·
سمعت الكثير عن تزوير الشهادات واطلعت على وثائق كثيرة وتعجبت كيف يساعد بعض أولياء الأمور أبناءهم على الغش، وكيف يدخل بعض هؤلاء الآباء بنفوذهم الوظيفي على الخط في توظيف هؤلاء الأبناء، والأغرب كيف يتم توظيف هؤلاء المزورين في بعض الوظائف المحترمة على الرغم من أن التعليم العالي قال كلمته وأكد للجهة التي يعمل فيها هذا الشاب أو ذاك وبالمستندات أن الشهادة مزورة، ورغم ذلك يتم تعيين هذا الشاب المزور في الوظيفة المحترمة·
قصة تزوير الشهادات تمتد مظلتها لتغطي بعض المواطنين والوافدين على السواء وبعضهم بمجرد إدراكه أن أمره انكشف يطلق ساقيه للريح وينسى الأمر تماماً، أما البعض الآخر فهو من الصنف البجح الذي لا تعرف حمرة الخجل لون وجهه، ولأنه لا يستحيي على هذا الوجه فهو ومن على شاكلته في حاجة لاجراءات أكثر صرامة وردعاً، وأقل هذه الاجراءات أن تقول له الجهة التي يعمل بها اقبض الباب وغداً نواصل·