قضية البطر ليست جديدة في التاريخ البشري والشخص البطران كثيراً ما كان يحذره المثل الشعبي الذي يقول: البطران يشوف الدنيا قطران، وعلى الرغم من الخير الذي يعيش فيه هذا البطران إلاّ أنه يأبى إلاّ أن يظل بطراناً فهذا أفضل من وجهة نظره من أن يقول كلمة شكر في يوم من الأيام·
وقصص البطرانين كثيرة خاصة هؤلاء الذين يتأففون من طول الوقت في انتظار انتهاء مراجعة أو انجاز معاملة ولا يخفي أحد تبرمه من النظام الإداري لهذه الجهة أو تلك التي تنتمي إليها معاملته، ولا يقف تبرم البطران عند هذا الحد بل يتعداه إلى الحديث عن الحقوق وما ينبغي القيام به تجاهه كمراجع، وللأسف لا يمتد حديث البطران إلى الواجبات أو ممارسة النقد الذاتي·
ولم يضع هذا البطران أو ذاك نفسه على المحك ويعيد السؤال الذي دائماً يطرحه على الآخرين بحيث تكون صيغة السؤال كالتالي: ماذا قدمت أنا، وما هي انجازاتي الوظيفية التي تخدم بيئة العمل، وما هي عناصر الابتكار والابداع التي أدخلتها إلى محيط العمل، وماذا حققت للجهة التي أعمل بها من أرباح أو مكاسب؟، هذا السؤال لم يطرحه بطران من البطرانين على نفسه يوماً، ولم يفكر فيه أحدهم للحظة واحدة، وفي الحقيقة فإن هؤلاء البطرانين معذورون فقد تعودوا على الشكوى والنظر للحياة من عدسة سوداء، ولم يعرفوا من أنواع الثقافة غير تلك الثقافة التي يطلقون عليها ثقافة الأخذ·
لم يفكر بطران مرة واحدة في أن يغير دفة تفكيره نحو ثقافة العطاء، فالعطاء يعني بذل الجهد والعرق، وتمضية الوقت في النهوض بالأداء العملي وتجويده، وثقافة العطاء تعني العمل ضمن فريق ووفق منظومة واحدة، وليس العمل الفردي والنظرة الفردية والتعالي على الآخرين·
ثقافة العطاء تتطلب من البطران المشاركة، والمشاركة تعني أنه سيتحرك من هنا إلى هناك ويبذل جهداً وهو لا يريد ذلك، بل كل ما يريده البطران هو بث تلك الاسطوانة التي يتغنى فيها بالاضطهاد الوظيفي والمعاناة في الحصول على ما يعتبره حقاً مكتسباً، وكل هذه المفاهيم لا تنسجم بحال من الأحوال مع ثقافة البطران الذي يريد رأس الهرم الإداري ولا تقف قناعته عند منصب في الصف الثاني بل لا يرضى أبداً إلاّ أن يكون متصدراً قمة الهرم الإداري، فهو لا يمكن أن يكون نائباً لمدير أو مساعداً لمدير هو يريد إلا منصب المدير وإذا حصل على منصب المدير فهو ينظر إليه من فوق ومن هذه العلياء الوهمية التي سجن فيها نفسه لينسج أوهامه حول مقعد رئيس مجلس الإدارة وهكذا لا حدود لجشع البطران ولا نهاية لنظرته السوداء·
ويا معشر البطرانين ارحموا أنفسكم وانزعوا النظارة السوداء فالدنيا أخذ وعطاء ولا يمكن أن تظل على طول الخط مجرد خزانة نغرف منها دون أن نسدد التزاماتنا من العمل والجهد وأداء الواجب·