في الآونة الأخيرة كثر الحديث بشأن التقاعد فالبعض يرى أن قانون التقاعد والمعاشات الذي حدد مدة استحقاق التقاعد عند 15 سنة يعكس الكثير من ثقافة يجب أن نغيرها، وهي ثقافة تعود عليها البعض ووجدوا أن أعمارهم انتهت عند هذه الفترة الزمنية إذ بحسب عدد منهم يكفي ما قدموه من عمل وجهد واليوم آن لهم أن يستريحوا بعد التعب والكد·
ومنذ أيام تجدد الحديث عن وجود دراسة لرفع هذه المدة إلى 20 سنة· ومنذ اللحظة الأولى التي تسرب فيها خبر هذه الدراسة فكر كثيرون ممن تنطبق عليهم شروط الخمسة عشر عاماً في طلب التقاعد، ولا نعرف لماذا؟ ولماذا هذه تستدعي دراسة موسعة بحيث ترصد هذه الدراسة عدداً من المحاور العلمية والاجتماعية والثقافية في مقدمتها: لماذا يكره البعض العمل، ولماذا يشعر بعض الشباب وهم في ريعان شبابهم بالشيب ويرى من أمضى أربعين عاماً فيهم يا لله حسن الختام، ولماذا يرى البعض أن سقف طموحه يجب أن يكون محدوداً، بل لماذا تتعدد أوجاع هؤلاء الشباب الذين مازالوا في ربيع العمر·
وعند الدراسة نحن في حاجة أيضاً لبحث عدد من العوامل المتجذرة في فكر البعض ورؤيته للحياة، وهو فكر يرى أن العمل يقصم الظهر وأن الالتزام بالدوام شيء يطفر، وغيرها من المصطلحات التي يجد فيها البعض نفقاً للهروب من المواجهة، وأول خطوات المواجهة التي ترد على السؤال لماذا؟: هي ماذا يعمل هولاء وهل من بينهم من يقضي شهوراً طويلة تحت الأرض في منجم ينقب عن المعادن أو منهم من يقف على خط انتاج ووسط ماكينات تهدر ويتعالى صوتها ليلاً ونهاراً، وهل من بين هؤلاء من عمل حتى غلب الشيب شعر رأسه، وتساقطت أسنانه، واستند إلى عصا صغيرة تحمل جسده النحيل·
ما الذي حدث لهذا الجيل ولماذا يسعى البعض للشيب مبكراً بل ولماذا يجد البعض نفسه وقد أدى واجبه مع الحياة ويرى أنه بذل ما فيه الكفاية من الجهد طلباً للتعليم ثم في العمل وأين نحن من هؤلاء الآباء الذين عاشوا شظف العيش وسط ظروف مناخية ومتغيرات دولية ورغم ذلك لم تهن عزيمة أحدهم ولم يفت له عضد، وجابوا البحار في الغوص والتجارة وبعضهم جاب الصحارى والقفار بحثاً عن الحياة وصنع هؤلاء وأولئك مجداً وحضارة من عرق الجبين، وهؤلاء كان بعضهم يعمل حتى يدانيه الأجل المحتوم، بل إن أحدهم لم يسمع يوماً عن أجازة سنوية يقضيها في البراد الأوروبي، بل إن المساكين لم يكن عندهم الويك اند العودة التي تمتد عند بعض طالبي التقاعد المبكر من صباح الأربعاء إلى صباح السبت أسبوعياً، وتتخللها بعض الشردات ومنها شردة الحرمة المريضة وشردة الصغيرون في المدرسة وشردة موعد عيادة الأسنان، وبالتالي يصبح الدوام في خبر كان وعليه العوض·