بين فترة وأخرى تحظى الإمارات بإشاعات يراد من خلال تداولها بين الناس زرع الفزع والبلبلة في هذا البلد الآمن من المشاكل السياسية والاجتماعية الكبرى والتي تثير الأسئلة وتغلي تحت أقدام المجتمع، ولأن الإمارات متوازنة في معالجتها للأمور، وتطرح الوسطية في تعاطيها مع مجريات الحياة، ولأن للأمن فيها صحوة، قد لا يعرفها الكثير ولا يشعرون بإجراءاتها المعقدة، ولكنها ولله الحمد قدرت أن تحمي مجتمعنا من المصائب الكثيرة التي تحدث في المجتمعات الأخرى والمجتمعات المجاورة·
مبعث الحديث هذا·· هو الإشاعة التي يتناقلها الناس عبر الرسائل الهاتفية النقالة والإنترنت والتي مفادها أن هناك شحنة وصلت للإمارات فيها أيدز من خلال الهمبرجر والكاتشاب وهي رسالة واضحة، كقنبلة موقوتة دست في سلسلة المطاعم الأمريكية، رغم أنني لست من أنصار هذه المطاعم ولا من متذوقي الوجبات السريعة أو الجانك فود ولا أحبذها لأولاد سهيلة ولا لأولاد جاراتها ولا للعدو ولا لصديق·
ولأن الكاتشاب والهمبرجر يشكلان عقدة لدى الكثير من العرب والمسلمين، رغم أنهما قد يكونان صناعة محلية أو سعودية أو مصرية، والمطاعم الأمريكية لا يقتصر بيعها عليهما، فهناك الدجاج والسمك والأكلات البحرية والسلطات، لكن لأنهما يعتبران شعاراً لواردات الغرب ورمزاً لحضارتهم الجايفة، فمرة يقولون عن الهمبرجر أنه مصنوع من شحم الخنزير، ومرة غير مذبوح بطريقة إسلامية، ومرة هو بقايا لحم وعظم وكرش، مطحونة مع بعضها ومعطرة بمواد مضافة وأصباغ وألوان، ومرة هو أشبه بأكل الخيول، يسمن أطفالنا، ويخليهم مثل البغال أو مثل الأطفال الأمريكان، ومرة ينقل الأمراض السرطانية، ومرة ولأنه مصنوع من لحم الخنزير وشحمه، فهو يربي لدى الطفل العربي والمسلم عدم الغيرة والنخوة والإحساس بالشرف، فيصبح الواحد منهم في كبره مثل الديوث لا يغار على شرف أهله، ولكم أن تلاحظوا هنا·· هذا السهم الموجه مباشرة إلى الآخر الأوروبي، النصراني، مخالف الدين والملة ومخالف العرق والدم ومخالف الرأي والفكر والعقيدة، ويجب معاملته بدونية، كما يعتقد أنه يعاملنا بازدراء ويحط منا ومن قيمنا ومن حضارتنا·
البعض يعتقد أن المربكين والإرهابيين لم يقدروا أن يفعلوا التخريب والتفجير ذاته في مجتمع الإمارات، فقاموا يرسلون قنابلهم الموقوتة بين الحين والآخر ليفجروا رأس المجتمع بالإشاعات، وهي جزء من حرب خفية يراد منها التمترس خلف خط واحد ضد الأمركة وضد الغرب الملحد وإجراءاتهم المتحيزة لإسرائيل والظالمة للعرب·
وقد دار حديث بيني وبين شاب صغير في الثالثة عشرة من عمره، لأرى مبلغ الإشاعة وإلى أين وصلت في قاع رأسه، فكان عنده ثمة خوف ووهم صادق وحزم بعدم الإقبال أو معاودة تناول هذه الوجبات مرة أخرى، هو من هذا الجيل وفي مثل هذا العمر، صيد سهل لمروجي الشائعات المفخخة، يصدق الشائعات وغير مستعد أن يفكر بها، ولا في مصدرها ولا في غايتها، ولذلك تعرف المنظمات غاية الرسالة ولمن توجهها وإلى أي فئة عمرية، وماذا يراد منها·
ولكي لا تخلق هذه الشائعات ذاك الذعر، على وسائل إعلامنا أن تتصدى لها منذ بدايتها، ويؤخذ رأي الأطباء والمتخصصين في المختبرات الغذائية وعلماء الاجتماع والنفس، ومسؤولي الجمارك والمنافذ الحدودية، ويتركوننا من رأي وعاظ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والعاملين في المحاكم الشرعية··