قطة رمادية تضلع تتبع ظل الحائط، تئن من ألمها تتلمس الجدران، عل برودة تختبئ فيها، تظل تمشي على وجعها فتوجعك إلى أن يغيبها نظرك الهارب·
واحد مركب زوجته من متنها في المقاعد الورانية، تخترق المقاعد لتطل برأسها جاعلة الزوج يزيد من توتره، بطلباتها كهدايا للأهل، ضريبة إجازة الصيف·
واحد تفنيش الجيش يخرج من برودة وباب الفندق الكبير، كندورته دلعاء ووزاره المخطط يسحب وغترته تستقر على رأسه بدون وقار، ومشيته بالكاد توصله إلى البيت·
عصفور يحط على حد، كحد السيف، يقفز إلى نقطة ماء صغيرة تكاد تتدلى من مكيف، يخطفها بمنقاره ويولي·· كان فرحاً حد الارتواء·
فلبينية تحاول أن تعطي لوقع كعبها على رخام الفندق شيئاً من الجدّية، ولتثبت في أول أيام عملها - كما يبدو- أنها أهل للثقة وللعمل القاسي عليها قليلاً في الحياة·
بنت صغيرة شقية سنها العلوية مكسورة والأخرى نابتة بشكل أكبر، وثمة نافذة صغيرة مفتوحة في صف الأسنان السفلية، لا تريد أحداً أن يقودها، تركض قبل أهلها، تشاغب صورتها في الزجاج، وتركض مخربطة صفوف العائلات المنضبطة التي تريد أن تقضي مشتريات الصيف على عجل وسير عرباتهم·
مواطن يبدو أنه مفلس هذا الصيف، يوحي لك أنه غير مقتنع بشيء، وليس هناك في المنظور القريب أي فرج لمحنته المالية، يتابع الصحف بشغف غير عابئ بمفرحات الحياة، لأن الجيب خال حد الضجر، وحد كره النساء·
بو بشير يحلّ على غصن زهرة في الحديقة المائية، تفرح به وبتلك البشارة المخبأة تحت جناحيه، يذكرك بصيف العين، ورائحة ماء أفلاجها وبتلك البرودة التي تنبعث من نخيلها القديم، ومخرافة الرطب التي تدور من بيت إلى بيت وبـ مقفلة الجامي والخلاصة وبتلك اليحال المدلاة في الرايلة وقطرات الماء المتجمعة في قعرها، والعصفور الذي يشاغب قطرة الماء وينقر ما همد من الرطب ويسافر مع صفيره غير المنقطع، وحمام الراعبي وشجنه الحلو والذي يؤنس نخيل العين في صيفها القديم، قبلة أهل الساحل من جهاتهم المختلفة، جاعلين من التقاء البحر باليابسة صيفاً ممتداً لا يغيب عن الذاكرة أبداً·
شجرة لوز عجوز، تذكرك بخالاتك وعماتك، تشعر بظلها ودفئهن، تريد أن تحادثها فتسبقك دمعة، هي لها ولهن، تريد أن تقول شيئاً للأشياء الجميلة التي غابت في غفلة عنا، تريد أن تزخرف العمر الهارب بنا إلى الأمام دون تعقل، تريد أن تدفن شيئاً من شعر رأسك أو من رائحتهن، فلا تجد تحت تلك اللوزة إلا دراجة هوائية لهندي يعمل موصلاً لبضائع البقالة القريبة أو قيلولة هنيئة لسائق شاحنة البلدية أو استراحة الأفغاني الذي أجبر على عمل لا يليق بجبليته حين يتصدق على زرع الحديقة بماء من خرطوم بلاستيكي لا يجيد التعامل معه·
مروحة كهربائية معلقة في السقف، تذكرك بالهند وباكستان ومحاكمهما ذات الدهاليز، تذكرك بصيف أمريكا اللاتينية وبقيلولة غارثيا ماركيز وهو ينقل آلة الطباعة اليدوية من مكان إلى مكان، تذكرك بمستشفى كند في ستينيات القرن الماضي وبصيدلية سليمان، تذكرك بدكاكين بومبي في شارع محمد علي، تذكرك بالمطارات الكاريبية، تذكرك بـ بركسات قوة دفاع أبوظبي وبفندق بعلبك في أوائل السبعين وبالمضيف في العين الذي كان ينتصف الطريق العام عند قرط النواصر أو بـ ليوان حياة غريب·