الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إحسان الرباعي: عيوننا تحتاج إلى تربية

10 يوليو 2005

دبي ـ خولة علي:
الثقافة الفنية مخزون تراثي وتاريخي متعدد المشارب والاتجاهات، وتختلف من مجتمع إلى آخر، فالثقافة هي هوية المجتمع والصورة التي تكشف عن ملامح البيئة التي يعيش فيها الفرد، ومنها تنبثق روايات وأساطير تصورها الثقافة الفنية في أشكالها كافة· كما أنها مجموعة أحاسيس ومشاعر تتجلى في خاطر الفنان لحظة بلحظة لتشكل رؤية فنية مترابطة من حيث الشكل والمضمون والفكرة· فالفن موقف يقفه الفنان لتغيير نظرته للواقع ومعطياته، والفنان هو المسؤول عن حيوية التجربة الإبداعية التي تتنامى عن طريق تحفيز الحوار بين التجربة ومتلقيها وتحويل الفن كمادة معاشة تتنفس أجواءنا وتشاركنا واقعنا وتضيف إليه·
هذه الثقافة الحاضرة بكل تفاصيلها الجمالية والغائبة عن أعين أفراد مجتمعنا، أين هي من اهتماماتنا؟! ولماذا بات الفن هامشياً في حياتنا؟ ولماذا كل هذا العزوف لتنمية الحس الجمالي وتحصيل الثقافة الفنية حتى تكاد المعارض الفنية تخلو من الجمهور إلى الحد الذي أصبحنا نتحدث فيه عن فن بلا جمهور·
حول هذه الهموم وغيرها، نترك الحديث للدكتور إحسان عرسان الرباعي رئيس شعبة التوعية التراثية في بلدية دبي قسم المباني التاريخية·
قصور في الذوق
؟ لماذا لا يجد الفن اهتماماً كبيراً لدى المتلقين، ولماذا تكاد المعارض الفنية تخلو من الرواد برأيك؟
؟؟ ربما يعود السبب في مثل هذه الظواهر إلى ضعف الثقافة الفنية لدى الناس، حيث نلاحظ أن هناك قصوراً في تنمية التذوق الفني والإدراك الجمالي لدى الفرد المعاصر بشكل عام وفي مجتمعاتنا بشكل خاص، مثلما نلاحظ أن هناك عدم توجيه لحاسة الإبصار عند النشء إلى الاهتمامات الفنية رغم أن الثقافة البصرية لا تقل في أهميتها وضرورتها عن الثقافة الألفبائية، وهذا يؤدي إلى غياب الفنون بمجالاتها المختلفة عن جوانب الفكر والوجدان والاهتمام لدى الإنسان المعاصر، وما خلو المعارض من الزوار سوى واحد من المؤشرات على ذلك، بحيث لا يشاهد إبداع الفنان سوى طلاب محدودين من طلبة تخصصات الفنون الجميلة، وهذا يحتاج إلى طرق علمية تربوية حديثة لتعزيز تلقي الفن والبحث في جمالياته·
صورة الروح الجماعية
؟ ثمة جدل قديم متجدد حول دور الفن، حيث ظهرت تاريخياً مدرسة كاملة ترى أن الفن من أجل الفن، في حين ترى المدرسة الأخرى أن للفن وظيفة اجتماعية وجمالية وأخلاقية، كيف تنظر أنت إلى دور الفن؟
؟؟ من نافلة القول أن نؤكد على الوظيفة الاجتماعية للفن، فهناك بعد اجتماعي يسعى إليه الفنان في إبداعه الفني إلى جانب زيادة الحس الجمالي وتعزيز التجربة الجمالية لدى الجمهور والمتلقين، وتعزيز التذوق الفني والمشاركة الفنية التفاعلية· ويعد الفن إحدى وسائل الاتصال الهامة بين الناس· وإذا ما كان الفن في نظر فلاسفة الجمال وعلمائه ونقاده هو صورة من صور الروح الاجتماعية العامة ودرجة راقية من درجات التعاطف الوجداني، فإن من الواجب على المؤسسات المختصة في بلادنا زيادة الاهتمام بهذا الجانب الهام في وجدان المجتمع وقيم الأمة والحضارة بأساليب وطرق تتناسب وروح العصر مع المحافظة على الثوابت حيث يشكل ذلك إسهاما واعياً ومقبولاً في تعزيز الوعي الفني والنمو الجمالي المنطلق من ثقافتنا العربية وروح حضارتنا الإسلامية التي تمتاز بالمرونة والتسامح وروح التآخي·
؟ الثقافة البصرية واحدة من أهم مداميك الثقافة الفنية، ما هو المطلوب لكي نربي مثل هذه الثقافة لدى المتلقي؟
؟؟ الثقافة البصرية واحدة من المفاهيم الأساسية والضرورية في مجالات الثقافة الفنية والتربية الجمالية، وهي مجموع ما يشاهده الفرد من ملامح تظهر عليها علامات وملامح الارتياح والرضى النفسي·· وإذا ما رغبنا في تعزيز هذه العلاقات والملامح فيمكن أن يكون ذلك عن طريق إثراء التجربة البصرية بالرحلات والمشاهدات والزيارات والمعارض والمتاحف وحضور الندوات والمحاضرات فالدور الذي تقوم به دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة وخاصة إدارة الفنون وإدارة التراث من فعاليات مدروسة وبرامج مخطط لها ما هي إلا إسهامات جادة في تحقيق هذه الثقافة البصرية وتسهم في توفير بيئة جمالية مفعمة بالأفكار والمضامين الإنسانية والأحاسيس والقيم التي تزيد من وعي الفرد لأهمية الجمال في حياته وسلوكه وتنمية ثقافته الفنية وتوجيه حاسة البصر عند الفرد باتجاه رؤية أوجه الجمال في الطبيعة والعمل الفني، وهذه الجهود ستسهم عملياً في تعزيز الذوق الفني والجمال عند الفرد باعتبار أن الذوق مقياس معياري لحضارة الإنسان في المنجز والسلوك ، فتتطور لديه معاني الذوق الحضاري من حيث فن التأمل وفن الإصغاء وفن تحوير المكان إلى عنصر زمان، فالفنون البصرية دخلت إلى عالم السمعيات والمرئيات وتطورت كي تجعل من الفضاء مكاناً زمانياً في حياة الإنسان وتاريخه الاجتماعي، فعندها يكون الفنان والمصمم والرسام والمهندس والمعماري في المركب التجاري الواحد، مع المتلقي والمستهلك والعارض والمعلن والمسوق، وإذا ما تحققت ونمت هذه الثقافة البصرية لدى الفرد وتوسعت مداركه البصرية فإن ذلك يعني انه امتلك شيئاً يسمى بالدراسة التقنية من ناحية القراءات البصرية والبحثية العلمية فتصبح الطباعة والمحفورات وهيكل المجسمات وواجهات المباني وتصميم الصناعات الخدمية وكل ما يحتاج إليه الإنسان من حيث فرادة المظهر وعنصر التشويق والجاذبية والحافزية في الإغراء للشراء والتسويق حاجة ضرورية في فهم احتياجات البشر ومواكبة التطور التقني والصناعي والاجتماعي والحضاري لتقانة العصر·
هدم وبناء
؟ وماذا عن الخبرة الجمالية، هل يمكن الارتقاء بالذوق الفني عبر الخبرة واستمرارية التعامل مع الجمال ومحاولة فهمه وقراءته؟
؟؟ الخبرة الجمالية هي العنصر الثاني على طريق الثقافة الفنية، وهي تأتي عن طريق التعامل واستخدامات الخامات الفنية والبيئية المختلفة· والجمال كما يراه (بول فاليري) اثر يبني الإنسان ويمكنه من اكتشاف ما يجب عليه أن يحب وما يجب عليه أن يكره، أي يبني ويهدم من أجل استخلاص القيمة الفنية العظمى، ويرى (هيجل) أن الفكرة في محيط الجمال لا تأخذ مداراً تصاعدياً كما هي في المحيط المعرفي لكن لا يمحو فيها اثر الجمال الفاعل، وشاركه في ذلك ادورنو الذي أكد على دور الحس كعامل جوهري في الخبرة الجمالية فستبقى الفكرة والمضمون شيئاً واحداً وهي أن وجودنا في هذه الدنيا وجود نعيش فيه امتحانا واحدا وأخيرا هدفه الارتقاء والتطهير واستعادة لمعاني إنسانيتنا على أكمل وجه، وهذه هي أولى معاني ومقاصد التجربة الجمالية بل هي أولى حلقات وعي الإنسان وفهمه لما حوله، فالإنسان الواعي هو الإنسان القادرعلى التمييز بين ما يحب وما يكره، القادر على التفريق بين الخير والشر، الحق والظلم، كما انه هو الإنسان الذي يدرك كل نقاط ضعفه وكلما زاد الوعي الإنساني بجوانب النقص عنده، وتعرف على حجم هذا النقص ومقداره كان العلاج اسهل والوصول إلى الكمال انجح· فهنا يكون الصراع المنشود المرجو لبلوغ حالة الكمال ونقصد (صراع الشفاء) ومن ثم تكون ولادة التجربة الجمالية التي تأتي في مرحلة تأملية باطنية في الغالب تكون أشبه بـ (النيرفانا) أي الانطفاء الناتج عن التأمل والرحيل نحو الداخل ولذلك نرى أن التأمل هو أعلى أصوات تلك التجربة الجمالية فالتأمل يعلو ويعلو حتى يصل إلى بلوغ أعلى درجات الشعور وهي درجة التأمل العميق، وكم من زائر (متذوق ومشاهد) دخل لمعارض فنية فما تسمع منه إلا كلمة إعجاب مثل (أوه) لأن المعاني التي يريدها تكونت بتأمل عميق وعجزت الكلمات عن البوح بها أو التعبير عنها· انه انطفاء وغياب عن المحيط الهش نحو المسألة الأهم أو الفكرة الأغنى·
دور المؤسسات
؟ ما رأيك في أداء المؤسسات الفنية تجاه مسألة تكوين الثقافة الفنية لدى الجمهور وتنميتها، وما هي السبل الكفيلة بذلك؟
؟؟ ان خير طريق لتنمية الثقافة الفنية هي وسائل الإعلام المختلفة أو القراءة في كتب تاريخ الفن والتذوق الفني والتصور الجمالي لفلسفة الوجود، وزيارة المعارض والمتاحف الفنية، وعلى سبيل المثال الدور الذي يقوم به متحف الشارقة للفنون هو نموذج لتنمية الثقافة الفنية لدى الأفراد في دولة الإمارات، ففيه تقام المعارض الإبداعية المختلفة الأساليب ، المتنوعة في الثقافات والمواضيع لفنانين عالميين وعرب ومحليين بقصد تنمية الثقافة ومحو الأمية البصرية وتعزيز المعرفة الجمالية، وذلك في إطار التعريف بمعنى الثقافة الذي تعتمده دائرة الثقافة والإعلام والمنسجم مع التعريف الوارد في إعلان مكسيكو عام 1982 الذي عرّف الثقافة بأنها جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعا بعينه أو فئة اجتماعية بعينها وهي تشمل الفنون والآداب، فإن أنشطة وفعاليات إدارة الفنون وإدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة تنطلق من مفهوم الثقافة في مجتمع الإمارات الذي لا يبتعد عن تعريف الاسيسكو والذي يقر مبدأ الخصوصية الثقافية لكل مجتمع فالثقافة الإماراتية تستمد أصولها من الثقافة العربية الإسلامية الأشمل فهي جزء من هذه الثقافة ذات السمات العربية والإسلامية، وبالقياس على ذلك يستطيع الفرد أن يتذوق الأعمال الفنية تذوقاً جمالياً وتقييمها على أسس موضوعية· ويتولى معهد الشارقة للفنون تدريب الأفراد الراغبين عملياً ونظرياً على التعامل معها فيساعدهم في إنجاز أعمال فنية مختلفة الخامات متنوعة الأغراض والموضوعات مثلما يساعدهم على التدريب على قراءة الأعمال الفنية خلال التدريس النظري لتاريخ الفن العام وتاريخ الفن الإسلامي وتاريخ الحركة الفنية التشكيلية في دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم العربي والتعرف على إبداعات وتيارات الحركات الفنية المعاصرة في تاريخ الفن الحديث ثم القيام بتطبيقات عملية وتحليل نقدي واع للعمل الفني من حيث مكونات الهيئة العامة للعمل الفني بجوانبها الثلاثة، أولها (الخامة) سواء كانت لونا، أو خطاً، أم مادة صلبة الخ، وثانيها الفكرة أو الموضوع أو الغاية أو المضمون وثالثها (البناء التشكيلي) ونقصد به عناصر العمل الفني من خط ولون وشكل وغيرها أو أسس العمل الفني من انسجام ووحدة وتضاد وايقاع وغيرها·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©