الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ملامح الوثن القادم

8 يوليو 2005

عندما تنتصر الآلة على الإنسان في المستقبل القريب في حرب ساخنة ومعلنة للكثير من المراقبين·· عندئذ تتحول كل المفاهيم وتتبدل التصورات وتتغير الفلسفات على إثر تلك الهزيمة الساحقة· الآلة في الزمن المقبل ستصبح سلطة تبطش بقوة، ومركزاً يجذب بعنف وفكراً له مناهجه ومؤسساته·· الآلة ستصبح حركة تستوعب وتلتهم تأخذنا في داخلها بأجسادنا وعقولنا وجبهة قتال تغتال أرواحنا وعواطفنا حتى تطمس هويتنا الإنسانية لتدور في فلكنا دون أن تدري إلى أن تنتهي عند رصيفها كل الصور الاجتماعية من 'سلوك وقيم'، والاقتصادية 'من نظريات في بحر الرأسمالية'، وتقنية 'في كل مظاهر التنافس في ميادين الصناعة والمعلومات والاتصالات'· يحدث كل هذا ونحن في انشغال تام عن دورنا -الأساسي- في البحث عن الحقيقة في اطلاقها إلى سياق حاد عن المصلحة لتحقيق فهم متواضع جدا هو البقاء، غايتنا فقط استمرارية الحياة تحت ظل قانون البقاء للأصلح·
حولت الآلة الإنسان إلى معبود علي النهج الوثني القديم بأسلوب عصري، خلق الإنسان الآلة ثم عبدها -على حد التعبير- لتكون لها المشيئة، وتكون الآمر الناهي ليخضع لها إنسان العصر الحديث ويؤمن بها بعقله 'لا بروحه وعقله' فيمتثل لها كما لو كانت بيدها مفاتيح حركة الكون، ولم لا فهي التي تنقله عند السفر وتعالجه عند المرض وتنتج له عند الحاجة، وتعدد له نوع القيم وشكل الأخلاق واللاأخلاق· وهي التي تعد مكان السفر، وتشخص نوع المرض، · رويداً رويداً وبعد ان كانت علاقة الصداقة في صالح الإنسان تبدل الحال لتصبح في صالح الآلة -إن كانت لها مصالح- ويتنازل الإنسان ويمتثل عن طواعية وعن جبر لواقعية الأمر عن كل إرادة وفكر ورغبة في تطور حقيقي شامل ليكون الشأن للآلة التي أحكمت القبض على معصميه وأغلقت المنافذ حتى تمنع كل أشكال التواصل مع ما تبقى من مفردات الحياة مستخدمة في ذلك كل مفرداتها من حاسوب وأجهزة اتصال ووسائل إعلام· هنا يتحقق الايمان ويتسابق الجميع في التقرب إليها زلفى باقتناء أكبر كم من أنواعها، ليبلغ العباد غايتهم باشباع شهوة الدهشة والتي أصبحت الحقيقة الغائبة التي يبحث عنها كل ناج من غضب الآلة·
في هذا الخضم تنتهي الحرب بانتصار الآلة وتبدأ صور الهزيمة فينا بترك كل أمورنا الحياتية وغير الحياتية للآلة، هي التي تحدد ماذا نأكل ونشرب كيف نحب ونكره، وفي ماذا نفكر ونبتكر، وبماذا نؤمن ونعتقد، ويلحق رأس السوط علماءنا وسادة مفكرينا فلا يخرج علمهم وفكرهم عن اطار الآلة·· وهكذا نظل نصبح ونمشي على قوانين وسنن الآلة بقناعة تامة بعدالتها وبقبول تام بموضوعيتها حتى يوافي الموت فينا من يوافي وينتظر من ينتظر ولا يكون قد بدل تبديلاً ويطاردنا شبح الآلة يساوم حتى على الموت تحاول الآلة جدلاً استطالة العمر وهيهات لها أن توقف هذا السيل·
ونحن في غمرة التيه ننتظر الشمس كل صباح من شرفات تفتح في اتجاه ورود الصباح، نتناول كوب الشاي أو وجبة افطار صباحية، ليس احتفالاً بشروق الشمس أو تحية للصباح واستقبال يوم سعيد ولكن نؤدي ذلك كأي تعويذة لقتل الزمن الجاثم بأثقال الملل وأعباء التكرار· دون أن تمنعنا الآلة عن هذه العادة ولو أرادت لكان لها·· تمر طوابير الأيام دون دهشة وتأتي الشمس تطالع كل يوم أزهارنا لتتفتح ترحاباً بقدومها وتغرب فيما بعد بلاد فارس وتتوالى الحكاية كما حركة المسبحة في يد شيخ هرم· إلى أن جاء صباح غير العادة والناس ينظرون من الشرفات الشرقية صباحاً جديداً من شمسهم التي تشبه كل شموس الأيام ليس شوقاً أو رغبة في نارها الحارقة وإنما أداء فروض ألزمهم قانون العادة وناموس التكرار على أدائها، ثمة ضوء خافت كالمصابيح الصغيرة من بعض أركان الدنيا خلف سلسلة من الجبال الجيرية ولا شمس تبدو في الافاق·· ويأتي موعد نشرة الأخبار الصباحية وصدور الصحف الجادة التي لا تتعجل للاثارة وتخلق من الحبة قبة ولا شمس تبدو في الآفاق·
حامد الطيب إبراهيم
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©