العربي دائماً يستهل حديثه: اسمع عندي فكرة حلوة أو عندي لك رأي زين أو عندي لك فكرة تجنن، فكرة ولا بمليون جنيه في عندي فكرة خطيرة·· لو تسمعها وحين ينتهي من شرح فكرته الجميلة، يقول لك: مش صحيح بصيغة جازمة، لا يترك لك حتى أن تفكر، فلا تستطيع إلا أن تهز رأسك بنعم أو صحيح، وآخر يكون صامتاً طوال الوقت، فإذا ما انهزم أحد الفريقين المتباريين، يخرج عن طور صمته، وينهرك، ألم أقل لكم من البداية، أن هذا الفريق لا ينفع، وأنه لن يفوز بهذه المباراة ، فتتملكك الدهشة، وتحتار، هل قال هذا بحق، أو أنه فكر فيه بصمت؟!·
العربي يمشي وفي رأسه أفكار الدنيا، حتى إذا ما قابل شخصاً صدفة في الشارع، لا يمانع أن يطرح عليه مشروعاً تجارياً ناجحاً، أو ينصحه بالاستثمار في رومانيا، وآخر ممكن أن يبقيك عند الباب وأنت تودعه، أكثر مما بقي في الدار، وهو يسترسل في الحديث الذي لم يتسع له المنزل، بعضهم يجلسك الساعات، وهو يتنقل من حديث إلى حديث، لا يتركك تسترد أنفاسك من ملاحقته، وحين يرى أنك تحاول أن تنبس ببنت شفة، أو يدرك أن تريد التعليق بعد نهاية حكاية من حكاياته، يطلع بالصوت الجهوري الباس : مرة كنا في سويسرا، أو يا أخوان كنا في مجلس فلان ذاك اليوم يبدأ بهذا المدخل القوي، فتجفل، ولا تملك إلا أن تنصت له، تمضي الساعات وهو يتنقل من سويسرا إلى مجلس فلان، إلى ضرب الأفغان، فتحصي الأفكار، فلا تجد إلا جُملاً، وجُملاً غير مفيدة·
وإذا تأخر العربي فعذره معه، لا تخلو حقيبته من الأعذار، يا أخي زحمة السيارات، ووحل الطرقات! وإلا عجقة السير في بيروت! زحمة الأوتوبيسات زحمة مواقف·· وكلها أعذار أقل ما يقال عنها أنها أقبح من ذنب·
وفي عهد تكنولوجا الاتصال، يطلبك أحدهم بدقة واحدة من هاتفه، ويقفل المكالمة، لتقوم بدورك، بالبحث عن رقم المتصل السريع، وقد تكون في ضيق، لتعاود الاتصال به، لماذا هذه الغلبة؟ لأشد ما أمقت ٌٌَّفك لمََّّىح ، وأحمد الله ثلاثاً، أننا تخلصنا من أجهزة النداء البيجر أو البليب ·
أحياناً، لا ترى واحداً من المعارف لمدة طويلة، وإذا شاءت الصدف والتقيتما فجأة، يبادرك، وكأن الحق عليك، يا أخي، وين أنت؟ اتصلت بك أكثر من مائة مرة، ولم ترد، فلا تعرف أتصدقه، أم تصدق التكنولوجيا؟ تريد من هذه المائة مرة، مرة اتصال حقيقي، ترتبك، فتبدأ بالاعتذارات، وبمشاغل الحياة، وكثرة الأسفار، وطلبات الأولاد، ومشاكل أمهم، ثم تكيل اللوم على بعض شركات الهواتف النقالة، وعن القصور في شبكات الاتصال، حتى تصل بك الأمور، أن تبدأ في ذم مخترع التلفون، مستمطراً اللعنات على عظامه التي أصبحت مكاحل، وكل ذلك من أجل خاطر هذا الذي اتصل أكثر من مائة مرة، يتنفس هو الصعداء، تنفرج أساريره، ويدرك أن قدميك دخلتا في الوحل، ولا تستطيع أن تتراجع، فيبدأ بالاستمتاع بالتجمل الذي تصطنعه، والكذب الذي تهلّه من رأسك، والاعتذارات التي تستمطرها من الهواء·
حديث العربي دائماً، ذو شجون، وأحياناً يشج الرأس من شجنه·