الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بطيخ مسموم على مائدة الحكومة والمعارضة

3 يوليو 2005

القاهرة - 'الاتحاد':
التربة الآن صالحة لزراعة الشائعات·· فما ان تُلقي بكذبة أو معلومة ناقصة في أي شارع حتى تنمو وتترعرع وتصبح شجرة عملاقة تثمر اكاذيب وحكايات وأساطير تكفي مصر كلها وتفيض عن حاجتها حتى اصبح بإمكاننا الآن تصدير الشائعات الى الخارج·
هناك الآن سحابة سوداء من نوع جديد تحجب شمس الحقيقة وتجعل الجو ضبابيا رماديا بلا لون محدد وهو الجو الملائم لنمو وازدهار الشائعات·· وهناك تراجع مفزع لسطوة الاعلام الرسمي والقومي وشك كبير في مصداقيته حتى لو صدق·· لأن هناك اعلاما موازيا صارت له اليد الطولى وهو اعلام الشائعات والأقاويل والحكاوي التي انتقلت من القهاوي الى صفحات الجرائد واكتسبت مصداقية لدى البسطاء·· نتيجة لسطوة الكلمة المطبوعة على العقول والاذهان·· فكل من أراد ان يثبت لك صدق ما يقول اذا رأى في عينيك شكاً يقول بمنتهى الثقة 'قرأت هذا الكلام في جريدة كذا' وكأنه بهذه الحجة يود ان يخرسك ويبدد شكك في قوله·
كما ظهرت حركات وجبهات ونشطت احزاب كانت خاملة وانتشرت الصحف الخاصة بشكل سرطاني مذهل وبدلا من القول القديم: هناك مولود كل 27 ثانية في مصر -صار القول الحديث: هناك صحيفة كل 27 ثانية- وهذا الوضع نقل اجهزة الدولة واعلامها من خانة الهجوم والمبادرة الى خانة الدفاع ورد الفعل·· كما ان هناك ارتباكا واضحا لدى اجهزة الدولة وتضارب اقوال وتنازع ادوار وسلطات·· أدى الى تردد في اتخاذ القرارات وتأجيل في الاجراءات·· وهذا عامل آخر يساعد على انتشار الشائعات· وقد طالت الشائعات كل المجالات·· في الصحافة والاعلام والزراعة والسياسة والفن والرياضة وصرنا في كل هذه المجالات نسمع ونقرأ الشيء ونقيضه في آن معا·· وأقرب مثال على ذلك·· حكاية البطيخ المسموم الذي ظهر في بعض محافظات الصعيد خصوصا في بني سويف وسوهاج·· فقد ادت هذه الحكاية الى انتشار ناري للشائعات·· فقد قيل ان البطيخ المسموم وصل الى محافظات في الوجه البحري مثل الشرقية والمنوفية والبحيرة·· وقالوا ان اكثر من مئة شخص تسمموا بالبطيخ في مركزي جرجا والبلينا بسوهاج·· وقالوا ان المستشفيات اعلنت الطواريء لاستقبال عشرات الحالات المصابة بالقييء والاسهال جراء ما سماه البعض كوليرا البطيخ·· وتحدثت الشائعات ايضا عن وفيات بسبب سم البطيخ·
كل هذا حدث منذ اكثر من اسبوع وانقسم الناس الى فريقين على صفحات الصحف فريق يؤكد الشائعات وآخر ينفيها·· بينما انتظر المهندس احمد الليثي وزير الزراعة والدكتور عوض تاج الدين وزير الصحة طويلا·· دون ان نسمع منهما شيئا عن الموضوع وحقيقته وملابساته·· وزاد الغموض بسبب تصريحات مبهمة وغير واضحة من مسؤولين بوزارتي الصحة والزراعة راحوا يهمهمون بكلام 'قلته أحسن' عن تشكيل لجان للفحص ولجان للتحقيق ولجان لتحليل العينات·· وغرف عمليات للمتابعة والرصد بتوجيهات السيدين الوزيرين وان النتائج ستظهر تباعا·· إذا ثبت في المستقبل غير المنظور ان هناك من أدخل الى البلاد أو استخدم في زراعاته مبيدات محظورة وخطيرة فستتم محاسبته ومجازاته بصرامة وقوة·· ولن نسمح بما يضر بصحة الشعب·
ولا مانع من كلام مرسل عن مروجي الشائعات المغرضين والمبالغين·· وان البطيخ بخير·· وان الحكاية كلها زوبعة في فنجان·· وربما هناك صراع بين اصحاب مزارع البطيخ·· وان هناك حربا بينهم اسمها حرب البطيخ عن طريق ترويج شائعات حول تسمم بطيخ بعض المزارع·
وبعد طول انتظار تحدث المهندس احمد الليثي وزير الزراعة عن الازمة ليصب في بداية حديثه جام غضبه على من سماهم من المشككين ومروجي الشائعات ودعاهم الى ان يراعوا الله في بلدهم مؤكدا في نفس الوقت ما يحرص دائما على تأكيده وهو ان الامور في وزارة الزراعة قبل ان يتولاها كانت تسير بعشوائية وبلا معايير فقال انه خلال الفترة بين عامي 1999 و2004 دخل البلاد عدد من المبيدات المحظورة والضارة لكن منذ يوليو 2004 لم يدخل اي مبيد خطير والوزارة تعمل بشفافية ولا تخفي اي معلومة· وقال انه اعاد تشكيل لجنة مبيدات الآفات الزراعية لتجتمع مرة كل شهر لتقييم المبيدات التي تظهر في الاسواق واصدرت اللجنة قرارا بحظر 47 مبيدا شائع الاستخدام و162 كانت تستخدم في بعض الاغراض و42 مادة فعالة وهناك تعاون كامل بين وزارته وشرطة المسطحات المائية بوزارة الداخلية ووزارة البيئة وتقرر سحب جميع المبيدات المحظورة التي دخلت في الفترة الماضية وتعويض المواطنين عنها ويستمر السحب ودفع التعويضات لمدة شهر ومن الآن لن يكون هناك مخزن او مصنع تحت بئر السلم وتم تشديد الرقابة لضبط وحرق المبيدات الفاسدة·· واكد ان تسمم البعض بعد تناول البطيخ ليس ناتجا عن المبيدات وربما نتج التسمم اذا صحت الشائعات عن البطيخ المزروع في النوبارية والذي عرض للبيع قبل انتهاء المدة المسموح بها لزوال مفعول المبيدات·
وقال اللواء سعيد البلتاجي محافظ سوهاج ان 160 شخصا في مركزي جرجا والبلينا تسمموا بالبطيخ ولم تحدث حالات وفاة وتم جمع 5 آلاف بطيخة هي كل الكمية الواردة من مركز بدر بالبحيرة واعدامها وليس كل البطيخ في السوق مسموما كما رددت الشائعات، لكن الرش بالمبيد الفوسفوري الكيماوي المسبب للمشكلة كان في نوع واحد من البطيخ هو 'سكاتا'·
وقال د· محمد نبيل وكيل وزارة الصحة بسوهاج ان ما حدث يعتبر مجرد تسمم غذائي نتيجة تناول فاكهة مرشوشة بمبيد حشري·· واكل المصابون البطيخ دون غسله وهذا يحدث في كل الفواكه حيث ينتقل المبيد المرشوش عن طريق اليد التي تلامس قشرة غير مغشوشة·
المادة المسمومة
هذه المركزية الشديدة في أداء أجهزة الدولة وانتظار توجيهات السيد وكيل الوزارة والسيد الوزير والسيد رئيس الوزراء تترك الحبل على الغارب والساحة خالية والملعب واسعا لمروجي الشائعات الذين تسميهم الدولة مغرضين·· اي ان هذا الاداء السلحفائي لاجهزة الحكومة يساهم بشكل واضح في ترويج الاكاذيب والشائعات في دنيا لم يعد ممكنا فيها اخفاء خبر أو معلومة·· ومن لا يحصل على المعلومة من الباب فسيحصل عليها من الشباك· والمشكلة أن الصحف القومية نشرت الحكاية في أول يوم على انها شائعات وأكاذيب ثم سكتت في الأيام التالية عن الكلام المباح وغير المباح وتركت الساحة للصحف الحزبية والمستقلة·· وتركت الازمة مشتعلة واكتفت باخبار رسمية مكررة من عينة·· غدا بيان لوزير الزراعة حول البطيخ·· بعد غد بيان لوزير الصحة حول البطيخ وهذا كله يحدث بينما الصحف الموازية قتلت الموضوع بحثا وفحصا حتى لم يعد الناس في حاجة الى بيان من أي وزير·
صحيفة 'الوفد' المعارضة مثلا قالت ان نيابة كوم حمادة بالبحيرة كشفت في تحقيقاتها عن سر البطيخ المسموم·· وهو ان هذا البطيخ قادم من مزارع بمديرية التحرير بالبحيرة وان مزرعة يمتلكها أحد رجال الأعمال بمركز بدر ومساحتها 36 فدانا وراء اغراق محافظتي سوهاج وبني سويف بالبطيخ المسموم·· وان هذه المزرعة بها اشجار موز حديثه وقام صاحبها بزراعة البطيخ واستخدم مادة 'التيمك' السامة للقضاء على 'التيما تودا' وهي ديدان تخرج من باطن الأرض وتلتهم المحاصيل· وقالت 'الوفد' ان مادة 'التيمك' السامة يستمر تأثيرها في التربة ستة شهور بينما يستمر البطيخ في الأرض أربعة شهور قبل جمعه·· وبذلك يكون مشبعا بالمادة السامة التي لم يزل أثرها· واضافت بأنه المادة السامة المستخدمة محظور تداولها عالميا لخطورتها على الصحة وكان قد تم استيرادها للقضاء على 'التيما تودا' ولكن الدكتور يوسف والي وزير الزراعة السابق اصدر قرارا حاسما بحظر استخدامها·· وقد اثبتت التجارب المعملية ان هذه المادة تقتل الفئران بمجرد تناولها· وتحركت اجهزة الأمن في سوهاج وبني سويف بسرعة وجمعت كميات كبيرة من البطيخ واجريت تحقيقات واسعة مع التجار والباعة الجائلين·· وقال كثير منهم انهم اشتروا البطيخ من مديرية التحرير· وقالت ان مصدرا امنيا بمحافظة البحيرة قال انه تقرر اعدام جميع الزراعات التي استخدمت المادة السامة بما فيها مزرعة بدر التي وردت البطيخ للوجه القبلي·· وقررت النيابة التحفظ على مزارع البطيخ بمركز بدر وتشكيل لجنة من وزارتي الزراعة والصحة واخذ عينات من المزارع والشوادر لتحليلها· لكن المهندس احمد حسبو كبير الوقائيين بمديرية الصحة بمحافظة البحيرة يؤكد انه لم يتقرر اعدام اي مزرعة وان كل ما حدث هو سحب عينات من زراعات البطيخ لبيان ان كان قد تم معالجتها بالهرمونات او المبيدات المحظورة وارسلت العينات الى المعمل الكيمائي ولم تظهر النتائج بعد وبمجرد اخذ العينات للتحليل تعتبر المزرعة متحفظا عليها لحين صدور تقرير المعمل·· لكن لم يصدر اي قرار اعدام كما رددت الشائعات·
وهكذا عندما يسمع ويقرأ الناس كلمات مرعبة مثل اعدام المزارع واعلان الطواريء والمتابعة والمراقبة والقاء القبض على التجار والبائعين ومداهمة الشوادر لأخذ عينات وجمع كميات ضخمة من البطيخ·· يتأكدون ان الدنيا مقلوبة والحالة خطيرة·· وهم لا يستطيعون تحليل الاخبار بدقة واكتشاف تناقضها فكيف تتم هذه الحرب الشعواء بينما وزارتا الزراعة والصحة تجريان التحقيق ولم يتضح شيء قاطع بعد! ولماذا سافر البطيخ كل هذه الأميال البعيدة ليسمم أهل الصعيد·· بينما لم تظهر حالة تسمم واحدة في البحيرة مركز الزلزال البطيخي؟ لاشك ان هذه المعلومات والاخبار المفزعة ناجمة عن صمت وزارتي الزراعة والصحة ووزيريهما·· مما يؤكد ان كلام الحكومة وكلام المعارضة في كل القضايا·· كلام بطيخ!!
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©