بيروت ــ سهى صباغ:
عُرِف الفنان التشكيلي جورج بهجوري كفنان كاريكاتور من خلال الصحافة، ونجح في هذا المجال بشكل كبير، فعينه تلتقط المشهد وتحوّله مثيراً للضحك والسخرية بسرعة فائقة، وقبل أن تصل يده إلى جيبه حيث القلم، تكون الصورة قد اكتملت في المخيّلة، وفي ثوانٍ تصبح على الورق بسبب إحساسه القوي وسرعته الفائقة بالرسم· لم يكتفِ بالتعبير عن طريق الكاريكاتور، بل اهتم باللوحة الفنية التعبيرية، ورسم المواضيع الحياتية واليومية وغيرها برشاقة ريشته ونظافة عينه·
له تجربة لطيفة مع الكتابة، كتابه 'بهجر في المهجر'، وثلاث روايات هي الآن تحت الطبع·بهجوري الذي زار لبنان بعد غياب طويل حيث كانت زيارته الأخيرة لها قبل الحرب·· يقول: 'أنا مخطئ بعدم مجيئي من قبل إلى بيروت، ولا أعلم سبب تأجيلي هذا إلى الآن· البقاء ببيروت لفترة من الزمن، أو الإقامة فيها، شيء مهم ومفيد لكل فنان ومثقّف عربي'··'دنيا الاتحاد' اغتنمت الفرصة وكان هذا اللقاء:
؟ كيف كانت طفولتك، وفي أية بيئة نشأت؟
؟؟ كنت في الثالثة من عمري حين توفيت والدتي ولم يتسن لي الوقت حتى أحبها، وكانت عمتي قد لعبت دور الأم حين أرادت الزواج من ابن عمها الذي بنى فيلاّ تحتوي على عدد كبير من الغرف لتتسع لجميع أفراد العائلة الكبيرة، وانتقلنا للعيش معها في منطقة بضاحية القاهرة·
؟ كيف كانت علاقتك بوالدك؟
؟؟ كانت علاقتي بوالدي جيدة، وهو الذي تزوّج للمرة الثانية بعد وفاة الوالدة· ففي قوانين الاقباط لا يحق للقبطي الزواج من أخرى إلا في حال ترمّله، فيسرع عند ذاك في الزواج ليستفيد من الوقت المتبقي له في هذه الحياة، ويكون بداخله مسروراً دون أن يجهر بذلك·
'اسكت يا ولد'
؟ كيف تصف لنا جو العائلة؟
؟؟ كانت أشكال الأشخاص في العائلة غريبة وتثير الضحك، يطغى على الجو العائلي الجديّة والإيمان والالتزام· فعمتي كانت تدخل البيوت للتبشير بالدين المسيحي، أما الاولاد فلا يحق لهم التكلم وإبداء الرأي أبداً· وكان هنالك جملة واحدة هي الطاغية: 'اسكت يا ولد'· في هذا المناخ لم يكن لدي طريقة للتعبير إلا من خلال الرسم وبالتحديد رسم الكاريكاتور الذي أتاح لي أن أحوّل الأمور الأكثر جدية إلى مضحكة·
؟ كيف ترى مستوى فن الكاريكاتور في العالم العربي؟
؟؟ تقدّم جداً وأصبح مهماً·
؟ وكيف تجد وضع الفنان العربي، هل هو حرّ او هناك قيود عليه؟
؟؟ لا، ما فيش كلام، هناك قيود قاسية جداً·
الكاريكاتور واجهة الديمقراطية
؟ وفي العالم، ما هو وضع هذا الفن، وإلى أي مدى هو حاضر؟
؟؟ إنه في منتهى التألّق، 'حاجة راقية وعظيمة جداً'، الكاريكاتور هو واجهة الديمقراطية، وله الآن تأثير قوي على الرأي العام وعلى السياسيين، فالرسم الكاريكاتوري مثل أي مقال نقدي بل إن تأثيره أقوى بكثير لأنه يخاطب العين أيضاً، إذ من السهل أن يغفل إنسان عن قراءة مقال، ولكن في الصورة العين تسبق، ولا يمكن تجاهل الرسم· صديقي رسام الكاريكاتور الفرنسي 'بلانتو' رسام صحيفة 'لوموند' - على سبيل المثال- تنشر رسوماته في الصفحة الأولى، ويسخر من 'جوسبان' أو 'شيراك' وهم يتصلون به ويطلبون منه الرسم الأصلي ليشترونه·
؟ هل حصل معك شيء مشابه لذلك؟
؟؟ في فرنسا لا، ولكن في مصر حصل ذلك، في إحدى المرات اتصل رئيس الوزراء الراحل 'عاطف صدقي' برئيس التحرير وطلب النسخة الأصلية لرسمة له·
؟ كيف تقيم علاقتك بالسياسيين؟
؟؟ ليست علاقة قوية، ولكن حين نلتقي في مكان ما، يعبّرون عن إعجابهم برسم قمت به·
؟ ألا تتعرّض للانتقاد؟
؟؟ انتقاد خفيف أحياناً·
؟ من يعجبك من فناني الكاريكاتور؟
؟؟ أعتقد أن أهمهم 'مصطفى حسين'، يضع 'نكته يومية' في أخبار اليوم مباشرة لوزير أو رئيس·· ولكن الفكرة يعطيها له المؤلف الساخر 'أحمد رجب'· وأنا شخصياً لا أؤيد هذه الطريقة، لأنني لا أحب أن يعطيني أحد الفكرة، فأنا أراها مرسومة وجاهزة أمامي·
مؤثرات أخرى
؟ بالإضافة إلى الكاريكاتور، رسمت اللوحة الفنيّة التي تحكي من خلالها أجواء الشارع والناس وحياتهم اليومية، السوق، شراء الطعام، تناول الطعام·· كأنك بهذا المناخ وفي العمق تتأثر بأجواء المسيح، وعلاقته بالناس، والعشاء الأخير و··· هل هذا صحيح؟
؟؟ صحيح·
؟ وكيف استفدت من هذا الجو تقنياً؟
؟؟ تقنياً استعملت اللون الذهبي الطاغي على الأيقونة وهو يمثل النور، 'نور ربنا'· ولكن ليس من الضروري الإصرار على الذهبي فقط، فمن الممكن أن تكون هنالك ألوان أخرى في الخلفية كالأزرق والأخضر، فالمهم أن يكون فيها إشعاع النور، كمية من النور يتوزّع على هذه الايقونة، تطغى عليها الروحانية، وأي عمل نُدخل عليه الروحانية نستطيع تسميته بالأيقونة·
؟ يقال أنك متأثر جداً ببيكاسو، لدرجة أنهم أطلقوا عليك تسمية بيكاسو المصري، هل توافق على هذا الشيء، وأين شخصيتك المستقلة؟
؟؟ نعم أنا متأثر ببيكاسو، ولكنني لست مقلّداً له، ولدي شخصيتي المستقلة·
؟ نحن الآن في عصر التكنولوجيا، فأين انت منها؟ وما رأيك بالرسم على الكومبيوتر؟
؟؟ أنا لست قادراً على التعوّد على الكومبيوتر وافضله كحافظ للارشيف·
استراحة الفنان
؟ بالإضافة إلى كونك رساماً، فأنت أيضاً لديك 'بهجر في المهجر'، عن دار رياض الريّس، تروي فيه تجربتك في فرنسا، والآن لديك ثلاث روايات تحت الطبع، في اللغة العربية وكتاب في اللغة الفرنسية، ما هي قصّتك مع الكتابة؟
؟؟ أنا أدخل عالم الأدب كاللص، من النافذة، الأدب صعب عليّ وكنت خائفاً من المحاسبة القاسية أمام أدباء كبار، كنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وآخرين· وحين قررت الكتابة، وجدت نافذة صغيرة أستطيع القفز من خلالها واسمها المشهدية، أي وصف المشهد من خلال الكلمة·
؟ لماذا تفضل الوصف من خلال الكلمة وليس من خلال لوحتك؟
؟؟ بعد حوالي خمسين سنة من الرسم، لم أترك شيئاً إلا ورسمته، أريد أن أرتاح من خلال الكتابة، وهذا ليس مللاً بل استراحة، وطبعاً لن أتوقف عن الرسم·
؟ يعني تغيير جوّ؟
؟؟ بالضبط، انها الكلمة المناسبة·
؟ أخبرنا قليلاً عن كتبك أو مؤلفاتك؟
؟؟ لدي رواية أسميتها 'ايقونة فلتس' ومعنى هذا الاسم، (حبيب الله)، وهو شخصية شعبية· الرواية الثانية، قصّتي مع امرأة فرنسيّة كنت على علاقة عاطفية معها ولمدة خمس سنوات، والآن لا زلت محافظاً على صداقتي بها بعد أن كنت غير مقتنع بالصداقة بعد العلاقة العاطفية، ولكنها نجحت في إقناعي بهذا الشيء·
؟ حين ذهبت الى فرنسا كان وضعك المادي سيئا جداً، والآن كيف هو الحال؟
؟؟ أفضل بكثير، فأنا الآن أعيش من فني· معظم أعمالي مطلوبة وتباع بمصر بشكل خاص· هنالك ثلاث غاليريات في مصر تأخذ مني أعمالي وتتولى بيعها· فالطبقة الميسورة تشتري وتتنافس على شراء الأعمال الفنية 'ليغيظوا بها بعضهم البعض' لكن الشارع لا يزال بعيداً عن الفن·
؟ ما هو الحل برأيك؟
؟؟ على وسائل الإعلام والصحافة أن تتابع الأعمال والنشاطات الفنية، فتكتب عنها وتنشر الصور حتى تتعود عين المشاهد على رؤية الفن·
عدد اليوم
