مكاتب جلب الخدامات أو الشغالات أو حين يلطّفونها يقولون شركات جلب الأيدي العاملة أو مكاتب الخدمات العامة، أتساءل ما هي الجهة الرسمية التي تشرف عليها أو تكون مرجعيّتها في حلّ الأمور والمعضلات أو تستند عليها في المهمات والمشكلات، هل هناك جهة رقابية تعرف ما يحدث فيها وعن المشكلات التي تسببها أحياناً للمجتمع وأحياناً لسمعة الدولة، هل هناك عين تراقب تصرفات مثل هذه المكاتب وما يجري فيها من هضم لحقوق الإنسان وممارسة الضغوطات والخروقات الإنسانية عليه؟!
أبو سليم لا يهمه من كل هذه القصة إلا أن يضمن ربحية الشهر، واكتناز الأموال ولو أدى الأمر أن يصبح نخّاساً في هذا العصر الجديد، فالمعاملة غير الإنسانية من تكديس الفتيات في غرفة في مكتب، هي للنوم والأكل والغسيل ولكل شيء، لا يهمّه كثيراً إن فتك بشابة فقيرة حد الوجع أو لطمها بكفّه السمين على وجهها حتى يدميها، لأنها احتجّت على المعاملة غير الإنسانية أو لأنها ذهبت إلى بيت وقسوا عليها، أو طالبت براتبها لإرساله إلى أهلها، أو جرفها الحنين إلى بلدها رغم الفقر والحاجة·
ماذا يفهم بخيت خرّيج الإعدادية والذي رأسماله كم سفرة إلى الفليبين وأندونيسيا والتعرف على سماسرة توريد الخدّامات وحفظ الدروس التي تلقّاها هناك في فن معاملة هؤلاء الناس البسطاء والمحتاجين وأصحاب العوز والفاقة والذين يجرون وراء كسب رزقهم وتعليم إخوانهم وتطبيب آبائهم·
حكت لي إحدى السيدات من ضمن حكايات كثيرة تحدث كل يوم، أن رجّعت شغّالتها لأنها لم تتلاءم مع أولادها، فسلّمتها إلى صاحب الشركة طالبة استبدالها بواحدة أخرى أكبر سناً ولديها بعض التجربة في معاملة الأطفال، لأن هذه الشغالة هي أقرب إلى الطفلة وهي تبكي ليلاً لأنها تحنّ إلى عائلتها ولديها ما يشبه (مرض الوطن أو الغربة) فقام لها أبو عنتر حين سمع منها رغبتها في العودة إلى أهلها، فأخذ يصفعها ويركلها أمام تلك السيدة التي صرخت بهستيريا، وكادت أن تقع مغمياً عليها من تلك المعاملة التي تتخطى حدود الأدب والدين والسلوك الآدمي والأعراف الإنسانية·
لا أريد أن أتكلم عن الانتهاكات والتحرّشات الجنسية التي يمارسها بعض أصحاب تلك الشركات، كنوع من الإذلال والتعذيب والمتعة المحرّمة، لا أريد أن أتحدّث عن تلك الوجبات البائسة التي تقدم لهن في (مكاتب أو بيوت بعض الشركات) لا أريد أن أتحدث عن ممارسة المظاهر الفوقية من البعض على اعتبار أن هؤلاء الخدم هم الضلع الساقط من الإنسانية، لا أريد أن أتحدث حين يساقون كقطيع من الماشية·
لم نصدق أننا انتهينا من مشكلة (الركبية) وما أثير حول قضيّتهم في وسائل الإعلام الغربية ومنظمة حقوق الإنسان والشكاوى في الأمم المتحدة والمظاهرات التي تحدث في تلك البلدان أو غيرها، حتى نبتلى بممارسة أكثر عنفاً وأكثر ظلماً من قبل شركات خاصة لا يهمها إلا جني الربح ولو كان على حساب المجتمع وسمعة الدولة، أو كان من عرق الناس أو من جراح عذاباتهم الإنسانية أو من سوق النخاسة الجديدة··