تاهت الطاسة بين الشرق والغرب، وهي في الأصل تعاني التيه منذ سنوات، فالبعض ينظر إلى هذه الطاسة غير مصدق، والبعض الآخر عندما يسمع شيئاً عنها يصاب بالدوار، وآخر يأكله اليأس، ورابع لا يتأثر بما يسمعه من احصاءات وما يتلى عليه من بيانات·
والطاسة المسكينة لاتزال تبحث عن ربان يعيد اليها توازنها المفقود، خاصة في ضوء هذه المعركة التي تدور حولها وهي منها براء، فالذين يناصرون يسوقون عددا من الحجج، والذين ينفون هم أيضا لديهم حججهم وأسانيدهم، وبين الطرفين يقف جمهور عريض من المتفرجين الذين لا يملكون إلا متعة المشاهدة على هذا الفيلم الذي تتابع فصوله على مشهد ومسمع من كل فئات المجتمع·
واليوم، ومع غبار هذه المعركة الذي يتطاير بين اكثر من طرف وجهة نتساءل: أين الحقيقة من قضية البطالة التي يعاني منها أبناء وبنات الوطن؟ وهي القضية التي تاهت طاستها سنوات بين أكثر من جهة فالباحثون عن عمل في الشوارع، وهم ينتمون إلى تخصصات علمية معينة بعد أن أنجزوا دراساتهم الجامعية فوجئوا بأن الوعد لم يتم الإيفاء به، فقد وعدناهم بالتوظيف في وزارات التربية والتعليم، والاشغال والعمل والزراعة والمواصلات وغيرها، وكان الطالب عندما يسأل: أي تخصص يناسب سوق العمل كنا نقول له كل التخصصات تناسب سوق العمل فالبلد في حاجة لكم، وما عليكم سوى الدراسة والحصول على الشهادة·
وبعد أن حصل خريجو علم النفس، والتاريخ والآثار والخدمة الاجتماعية والاجتماع على الشهادة الجامعية، وحملوا هذه الشهادات إلى الوزارات اكتشفوا أنهم وقعوا ضحايا سوء التخطيط، فالوزارات لاتزال مملوءة بموظفين من الأخوة الوافدين، ويطالع هؤلاء الشباب هذه الوزارات، ويطالعهم مسؤولوها بالعبارة المقدسة لا توجد شواغر ·
وفي تصوري هناك بطالة، ولكنها ليست بهذه المعدلات التي تضخمها، أو تلك المعدلات التي تهون منها، فلا توجد حتى الآن دراسة دقيقة ترصد احتياجات سوق العمل، وأتمنى ان تدخل جامعة الامارات على الخط، وتبادر إلى إجراء هذه الدراسة الاستراتيجية الوطنية وتضع من خلالها النقاط على الحروف·
واعتقد انه من المناسب ان تكون هذه الدراسة ميدانية مسحية شاملة بحيث يجوب فريق بحثي من المتخصصين القرى والمدن ويرصد بكل دقة أعداد الخريجين والخريجات، وكذلك اعداد العاطلين الباحثين عن عمل، ثم يرصد العوامل التي تحول بينهم والعمل، وفي مقدمة هذه العوامل الخلل الذي تشهده بعض المناطق من حيث توزيع التنمية جغرافياً، إذ لا يوجد في بعض المناطق سوى المدارس، وهذه تشبعت بالخريجات والخريجين المواطنين ولا يوجد فيها شاغر واحد·
كما تشبعت بعض المناطق بالمواطنين في مكاتب العمل والمناطق الطبية خاصة في الشؤون الإدارية، وبعض هذه المناطق لا يوجد فيها مظهر جديد من مظاهر التنمية على مدى السنوات الخمس الماضية سوى إقامة عدد من مصانع الاسمنت أو مشاريع الكسارات، وهذه لا تناسب الخريج أو الخريجة وإن كانت الحاجة دفعت بعض الخريجات الفاضلات للعمل في هذه الكسارات، حيث ارتضت الخريجة أن تكون ضحية لبيئة التلوث الناجم عن هذه الكسارات بدلا من وجودها رهينة سجن البطالة، وجدرانه المظلمة، وعتمته التي لا يبدو لها أفق·
قضية البطالة لا تحلها التصريحات ولا ترسم ملامحها الانطباعات التي يقدمها البعض دون سند أو دليل علمي، واذا ظل التعامل مع طاسة البطالة وفق هذا المنظور فإننا لا نملك إلا قول عليه العوض، وغداً نواصل·
أبوعوض