بعض المطاوعة يقهرونك عندما تسمع فتاواهم في شؤون الدين والدنيا، ويقهرونك أكثر عندما تأتي فتاواهم على الهواء بلا سند علمي، ومن بعض هذه الفتاوى التي يوردها بعض هؤلاء المطاوعة الذين يتصدرون للفتوى وهم ليسوا أهلاً لها قضايا يأتي فيها افتاء هؤلاء على طريقة البحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة، والقطة غير موجودة، ويمكن الغرفة هي الأخرى غير موجودة أيضاً·
كثيراً ما تستمع إلى فتاوى من بعض هؤلاء قد لا يكون لها علاقة بالواقع، ولا تستند إلى ما يدور في الحياة، ومن بين هذه الفتاوى التي أوردها صاحبنا على الهواء مباشرة، ما ذكره حول الشروط الواجب توافرها في مسكن الزوجية في الإسلام، وصار صاحبنا يعدد هذه الشروط ومنها أن يكون المسكن فسيحاً، وأن يكون مستقلاً، وأن يكون وفق تصميم يضمن الخصوصية، وكذا وكذا، والمذيع يقول له: بارك الله فيك يا فضيلة الشيخ، ومرة ثانية يا صاحب الفضيلة·
وصار صاحب الفضيلة يعدد في شروط مسكن الزوجية إلى أن قال: يجب أن يكون في هذا المسكن فناء فسيح بحيث تدخله الشمس والهواء وحسب تعبيره أن يكون على شكل حوش كبير ، ثم واصل فضيلته الفتوى حول هذا الأمر الهام في حياة الأسرة المسلمة بأن مسكن الزوجية يجب ألا يكون وسط مباني الكفار، ولا يقيم فيه الكفار، ومن حق الزوجة أن تطلب تغيير هذا المسكن اذا لم يكن مناسباً، وتخيلت الأمر بعد هذه الفتوى لو أن كل زوجة تأملت المسكن الذي تقيم فيه مع زوجها ولم تجد هذه المعايير متوفرة فماذا تفعل؟
صاحب الفضيلة هذا لم يكن أقل من صاحب الفضيلة ذاك، والذي خطب بالناس الجمعة الماضية في أحد مساجد العاصمة، وظل يسهب ويطيل في الخطبة والمسجد يتوسط مربعاً سكنياً هائلاً، ولا يسع المسجد سوى 500 مصل على اكثر تقدير وهناك حوالى 2000 مصل خارجه، ومع صولات وجولات صاحب الفضيلة كانت أجساد المصلين في الخارج أشبه بمن يقيم في غرفة ساونا ، فهذا يطالع ساعته وذاك حاول الاستجارة من لهيب الشمس بورق الصحف، وثالث طلب من أطفاله الصغار العودة للبيت خوفاً من ضربة الشمس·
تحت لهيب الشمس تابع معظم المصلين صلاتهم، وبعد انتهاء الصلاة هرعوا إلى الإمام يطلبون منه التخفيف في الجمعة القادمة، فأخذ فضيلته هذا النفر من المصلين في نزهة شفهية إلى جهنم وانبرى يعدد لهم صور العذاب الموجود بها، والنيران التي تأكل بعضها بعضا، والأجساد التي هي حطب جهنم، وفي النهاية فإن هذه الشمس التي نتأفف منها لا تساوي شيئاً·
ولم يصمت فضيلته عند هذه الجرعة الثقيلة بل قال لافض فوه: المسجد واسع ومن لا يصلي بداخله تعتبر صلاته باطلة ولم يقل فضيلته: والله أعلم، ولم يترك أمامي شيئاً سوى القول عليه العوض·