هل نحن أمام ظواهر سلوكية جديدة؟ وهل فقدت مؤسسات التنشئة الاجتماعية أدوارها التقليدية؟ وهل هذه الحالة من الانفلات السلوكي عند البعض تؤشر لوجود خلل ما في السياق الاجتماعي والدور الحيوي الذي ينبغي أن تقوم به هذه المؤسسات من الأسرة والمدرسة والمسجد والنادي بل والشارع·
هل تغيرت السلوكيات بالفعل وخاصة عند بعض أفراد الجيل الجديد أم أن هذه السلوكيات لا تزال على حالها، ولا تزال على التزامها بمنظومة القيم، وهي المنظومة التي تربينا عليها منذ الصغر وترتبط هذه المنظومة بهرم قيمي يحترم فيه الصغير الكبير، ويعطف فيه الكبير على الصغير، ويتعاون الناس فيما بينهم في بسط التربية السليمة لجميع أبناء الفريج الواحد دون النظر إلى ابن من يكون هذا الصبي أو غيره·
تساؤلات كثيرة صارت تقض المضاجع وتبعث القلق على ما هو آت، ومن يلاحظ حركة بعض أفراد الجيل الجديد سواء في المولات أو حتى في المدارس أو في الشارع يكتشف أننا بالفعل أمام حالة جديدة من المظاهر السلوكية التي لم تكن مألوفة في الماضي·
نحن بالطبع لا نتحدث عن الماضي البعيد، ولا نريد للأبناء أن يكونوا صورا طبق الأصل من الآباء، ولا نريد أن يعيش أبناؤنا في القرن الواحد والعشرين بنفس العقلية التي كنا نعيش فيها القرن الماضي، ولا نريد أيضاً أن نفرض عليهم قيمنا بالقوة، ولكن مع كل هذا لا نريد للأبناء أن يكونوا على هذه الصور السلوكية التي نعتقد أنها سلبية ولا تصنع منهم الرجال الذين ننشدهم من حيث رجاحة الفكر وقوة الشكيمة وسلامة التفكير وسعة الأفق، والقدرة على الحوار الهادف والنقد العلمي المنهجي، والتواصل مع الآخرين·
لو سألت أي معلم: ما الذي يتعبك، ولو كررت السؤال على أي مدير أو مديرة مدرسة لكانت الاجابة: مشاكل بعض الطلبة وتراخي الأسرة، وغياب الدور الرقابي للوالدين بل غياب الاهتمام من جانبهما، ويؤكد هؤلاء على أن الميدان التربوي يشهد نمطاً جديداً من السلوكيات الطلابية التي لم تكن مألوفة قبل عقدين أو ثلاثة من الزمن، فالطالب الذي يضرب زميله لا يجد من ولي أمره عقاباً على ذلك بل أن بعض أولياء الأمور يربون الابناء على ثقافة العنف ضد الآخر، والبعض الآخر قد لا يعرف في أي صف يدرس ابنه·
وبعيداً عن السلوكيات السلبية في المدارس هناك ما يصدم الاذن ويصيبها بنوع جديد من التلوث اسمه التلوث الأخلاقي ، وهو تلوث تمادى فيه بعض الصبية الذين شعروا بالانفلات الأسري واطمأنوا تماماً لغياب الرقابة الأسرية، ومن الصور الكريهة لهذه التصرفات ما يقوم به بعض الصبية من تدمير للممتلكات العامة، بل والامعان في التدمير ولا نعرف لماذا، ومن هذه السلوكيات تلك الالفاظ البذيئة التي تعلو بها أصوات بعض هؤلاء في المدرسة والشارع والمول، وكأن لسان حالهم يقول: لا يهمنا أحد·