استراحة الجمعة·· كثيراً ما تستوقفني الإعلانات كفن جميل وذكي، ففي أوروبا لا أترك إعلاناً إلا وأقرأه، أو أتوقف أمامه دقائق، على الأرصفة، في محطات المترو، في الشوارع، على الحافلات، فهو هناك صناعة كبيرة، وغنية، ومسألة إبداعية، ومصدر دخل عال للمعلن، أو للمشتغلين فيه، وإذا كانت المرأة هي أكثر عنصر بشري مستغل في مثل هذه الإعلانات، فهذا مرده لأن خبراء الإعلان يعرفون أن معظم المنتجات المعلن عنها تذهب إلى المرأة، أو من خلالها فهي عنصر مؤثر في الشراء، والترويج، وشاع في فترة معينة استغلال الأطفال في الإعلان، لكنه لقي معارضة قوية من الجمعيات الأهلية والإنسانية، حتى أن بعض القضايا دخلت أروقة المحاكم، وطلب المتقاضون أرقاماً خيالية، وأكثر الشركات التجارية عرضة لهذه الغرامات، شركة يونايتد كلرز أوف بنتون·
أما أغلى الإعلانات فهو في وسائل الإعلام الأميركي، يليها الأوروبي، في حين يصل الإعلان في الدول العربية إلى جزء من عشر سعره العالمي، لقد تطور الإعلان، حتى أصبح اليوم علماً يدرس في الجامعات، وتعددت طرقه وتشعبت وسائله، حتى أصبح له عالمه المثير وأسراره المعقدة، و مافياته·
الإعلان لغة ذكية، وصورة أذكى، لا يقبل الغباء، ولا يسمح لأنصاف المواهب بالعبث، أو التطفل أو المباشرة، ومنذ فترة أشاهد إعلاناً في بعض الفضائيات، يصور جنازة شاب توفي فجأة، وطريقة دفنه، وبكاء أهله، وفي نهاية الإعلان تظهر كتابة تحضّ على الصلاة في وقتها، ولا أعرف من هي الجهة المعلنة، ومن اقترح عليهم طريقة الإعلان هذه، فالهدف من الإعلان دائماً جعل الوسيلة محببة، والترغيب في المعلن عنه·
من باب الفضول، تستوقفني كذلك في صحفنا الإعلانات المبوبة، فهي تضم الكثير كل يوم، لكن بعضها لا يخلو من ظرف أو طرافة، من بينها : مواطن يرغب في بيع فيل أفريقي، أو هندي يرغب في تغيير اسمه من لال بوكاكيلات إلى حمد بن حارب بن سالم، أو إعلان عن مشروع تجاري ناجح، بحاجة إلى ممول وشريك مواطن، وبعضهم يعلن عن فقدان جواز سفره، ولم أسمع مرة عن ياباني ضيّع جواز سفره، وآخر يعلن عن ضياع أسهمه في اتصالات، وعددها كذا، وأسهمه في إعمار وعددها كذا، فلا أدري هل هو إعلان عن فقدان، أم إعلان عن بيع، لأنه حتى تاريخه، لم يذكر أن ألمانيا فرّط في ضياع أسهمه أو مستنداته، أو دفاتر الاكتتاب في شركة مساهمة، قد نرى إعلاناً صادرا عنه، بسبب ضياع كلبه، أو هروب قطته·
هناك من الإعلانات غير الإنسانية، كإعلان قطع العلاقة، حيث تظهر صورة رجل بالأبيض والأسود، تعود إلى أيام امتحانات الثانوية العامة، وهو في كامل فحولته، وبشنب كث، ويحذر الإعلان من عدم التعامل معه من تاريخه، ومن صيغة الإعلان، يتبادر إلى الذهن، على أنه حرامي، أو أنه وراءه اختلاسات مالية، في حين يمكن أن يكون مديراً ناجحاً، أختلف مع الشركاء، ليس إلا، فلماذا التشهير بحق رجل، قد يكون رب عائلة؟ أو أبا لبنات في الجامعة، أو لابن مهندس ناجح في الحياة، أو من عائلة كبيرة في بلده، وتعرفون ما يعني التشهير بالإنسان العربي، وكيف يمكن أن يخربط حياته، وحياة أهله؟ حتى أن كلمة وصمة عار في العربية، لم أجد مرادفاً لها في اللغات الأوروبية الحية·
أما أكثر الإعلانات المبوبة، المثيرة للضحك، هو الإعلان عن البيع بداعي السفر، لماذا هذا اللف والدوران؟ قل إنني أفلست، قل إنني لم أنجح في مشروعي التجاري، قل إنني فاشل في البز نس ـ يا الله شو هذه الكلمة تطرب الكثيرين ـ أو أن قدراتي المالية، لا تسمح لي بتطوير مشروعي التجاري، لماذا تربط كل هذه الأشياء بالسفر الذي له خمس فوائد، وزدت عليه أيها البز نس- مان فائدة سادسة لم نكن نعرفها من قبل·