لا نعرف ما الذي يمنعنا من وجود خطة استراتيجية تربط بين المدخلات والمخرجات وتحقق التوازن المنشود بين المؤسسات التعليمية وسوق العمل بحيث يكون لكل طالب وطالبة وظيفته المناسبة في هذا السوق الذي يفتح أبوابه على مصراعيه أمام الطير من كل جنس وكأنه يعاند الشاعر العربي الذي تحسر على حال كهذا منذ عشرات السنين: أحرام على بلابله الدوح·· حلال على الطير من كل جنس·
في هذا اليوم شباب وفتيات في عمر الزهور حفيت أقدامهم من البحث عن وظيفة وبعضهم حاصل على تقدير امتياز، من بين هؤلاء الخريجين خريجة تعمل باليومية في أحد البنوك ويصل راتبها في هذه اليومية إلى تسعة آلاف درهم، وهو راتب جيد من وجهة نظرها، ولكنها وبعد سبعة شهور من العمل في هذا البنك قررت الاستقالة فقد سمعت من الموظفين القدامى أن البنك يشترط في تثبيتها في الوظيفة ضرورة الالتزام بالعمل في البنك لمدة ثلاث سنوات·
هذه الخريجة ترى أن هذا الأمر قد يهون ويمكن قبوله والاستمرار في البنك ولكن ما لا يمكن قبوله أبداً هو ذلك الشعور الذي تشعر به هي وزميلاتها في البنك، حيث تشعر بأنها مجرد دمية تجلس في البنك ولا تفعل شيئاً إذ أن العمل الذي تقوم به هو الرد على الزبائن والاجابة عن استفساراتهم، وهي استفسارات اكتشفت بعد مرور سبعة شهور أنها مجرد صورة جديدة من المغازلة السمجة التي تفنن فيها بعض الصبية الفارغين الذين يتصور كل منهم أن كل من خرجت من بيتها للعمل يمكن أن تجاريه أو تسمع معسول الكلام منه·
هذه الخريجة الشابة حصلت على بكالوريوس الاحصاء وما أدراك ما الاحصاء فهي دراسة معقدة ولا يقدر عليها إلا أولو العزم من الطلبة الذين فتح الله عليهم، وفي كل أسواق العمل في العالم يتصدر خريجو الاحصاء قائمة الخريجين المطلوبين لسوق العمل بل إن بعض البنوك المحترمة التي لا تعرف الواسطة تبذل جهوداً جبارة لاستقطاب هؤلاء الخريجين والخريجات للعمل فيها قبل تخرجهم·
هذه الخريجة يعتصرها الألم لسبب أبغض من ذلك وهو شعورها أن البنك يتعامل معها وكأنها قطعة ديكور يزين بها واجهته فقط حتى إذا مرت اللجنة الخاصة بمراقبة التوطين في البنوك على البنك الموقر وأحصت الموظفين المواطنين تكون هذه الموظفة الديكور ضمن العدد·
هذه الخريجة تكاد تبكي وهي تقول: عيب أن يحصل هذا الكلام، وعيب أن يشعر خريج مواطن ومؤهل بأنه عالة على هذا البنك أو ذاك، واذا استمرت الأمور في البنوك على هذا النحو من التوطين الصوري والعمل وفقاً للاستراتيجية القديمة المعروفة بالكفيل النائم فإننا نقول لهم عليه العوض·