ما الذي حدث للناس، وما الذي يدفعهم إلى هذه الحالة من الركض وراء المال فلا يكاد يخلو مجلس من الحديث عن الأسهم التي لحست عقولهم، وشغلت فكرهم وغيرت حياة البعض منهم·
الشباب يتحدثون عن الأسهم، والنساء يتحدثن عن سحر الأسهم في الدوام لا يتحدثن عن خطط تطوير العمل وتجويده، بل الحديث كله ينصب على الأسهم، ويتبارى الناس في استعراض مفاتن الأسهم وجمالها وطراوة مردودها المادي، ومستقبل هذا السهم عن ذلك؛ ولماذا نشتري هذا ولا نشتري ذاك، وغير ذلك من الأمور الاقتصادية التي صارت الهاجس اليومي لهؤلاء·
البعض لا يقف عند هذا الحد بل يحكي قصصاً أسطورية عن هؤلاء الذين انتشلتهم الأسهم من خانة القروض المزمنة في البنوك إلى خانة المليونيرات في غضون شهور قليلة، فهذا الموظف يتحدث بانبهار شديد عن زميله الذي سحب سيارة بقيمة 250 ألف درهم على البنك ثم باعها، واشترى سيارة أخرى على نفس البنك بقيمة 45 ألف درهم وأخذ الفرق يلعب فيه في سوق الأسهم وخلال 8 شهور كان صاحبنا قد ضرب ضربته مع الأسهم، ودخل قائمة المليونيرات، وهي القائمة التي لم يكن يحلم في يوم ما بالدخول فيها·
وهذه معلمة قضت 15 عاماً في ربوع التربية والتعليم، ولما طفر بها الحال لم تجد سوى ممارسة اللعبة، فقد أقنعها شقيقها الأصغر بأنها تعيش على هامش الدنيا، والعالم إلى تطور، وبيزاتها داخل التاجوري لا قيمة لها اذا لم تتحرك وترى النور، وبعد جهد جهيد أخرجت المسكينة تحويشة العمر من التاجوري العتيق ووضعتها على مضض بين يدي أخيها الذي يفهم العصر ويرعى الانترنت، ومنذ شهور لا تزال المسكينة تنتظر ظهور اسمها في قائمة المليونيرات حتى الآن·
قصة الأسهم طويلة ومنها قصة ذلك الشاب الذي لم يكن يملك من حطام الدنيا شيئاً عندما جاء إلى البلاد بحثاً عن عمل وانتهى به المطاف إلى العمل في الصحافة، وظل سنوات مثل عباد الله الكادحين إلى أن ظهرت موضة الأسهم، ودخل الحبيب اللعبة، وأبدع فيها وحرك أسهماً ودغدغ أخرى، وفجأة تغيرت حالته وأصبح من ملاك الفيلات ولا يدخن إلا الهافان الكوبي، ولا يرمس إلا في الاسترليني واليورو وأحياناً في الدولار·
نعم هناك قصص تأخذ العقل في لعبة الأسهم، ولكن هذه القصص لا يمكن القياس عليها والتعامل معها على أنها معيار لدخول اللعبة، خاصة من جانب هؤلاء الذين يتعاملون مع الأمر، وكأنه مسابقة في مسح أغطية زجاجات المياه الغازية على طريقة اجمع واربح·
يا جماعة، المسألة لا تحسب بمعيار فلان فعل كذا وكسب، وعلان اشترى ذلك وكسب، وإنما الأمر أكثر حساسية من هذا وذاك، وخاصة عندما يكون التعامل مع بيزات من التاجوري هي كل تحويشة العمر، هنا علينا أن نحتكم إلى المعايير الاقتصادية، وتكون لدينا دراية قوية بحركة السوق وآلية التعامل معها·
وهذه ليست مهارة بقدر ما هي علم وتخصص، وأؤكد لكم أن سوق الأسهم في حاجة إلى من لديه الوعي الاقتصادي والدراية والخبرة وهو سوق لا يعرف الفهلوة أو الشطارة، وفي الوقت نفسه لا يؤمن بالحظ، ومن لا يدرك ذلك فهو حر في أن يفعل في ماله ما يشاء، ولن نقول له: عليك العوض·