لايزال العقل العربي يعيش في أزمته التاريخية التي اختتم بها القرن الماضي وأصر على اقتيادها له في القرن الواحد والعشرين، فالعرب أمة اقرأ لم يعد أحد منهم يقرأ وإذا قرأ فهو لا يقرأ إلا كتب الطهي والسحر والشعوذة وقراءة الحظ وبرجك هذا العام، وحظك هذا العام، ولا ينسى العقل العربي ان يخط كتبا عن الجنس والغرائز فتقرأ عناوين كثيرة في هذا الصدد كلها تخاطب اصحاب المشاكل الجنسية·
ازمة العقل العربي ازمة مزدوجة فهي أزمة من يؤلف، وهي في الوقت نفسه أزمة من يقرأ، وفي معارض الكتب العربية المشهورة من أبوظبي الى بيروت فالقاهرة نجد الأزمة واحدة عرب من كل الامصار يبحثون عن كتب الطبخ، وهي كتب متنوعة تحمل عناوين كثيرة مثل الكبسة الخليجية وبرياني الدجاج واللحم الى السمبوسة، ومن المطبخ الخليجي الى الفتوش اللبناني والحريرة المغربية والمحشي ورق العنب على الطريقة المصرية·
ثلاثية تعيسة تحاصر العقل العربي تأليفا وقراءة ولا مفر من هذه الحالة التي يجد فيها القارئ العربي نفسه محاصرا بين كتب العلاج بالحلبة بين الحقيقة والتطبيق و حبة البركة صيدلية الأدوية المجهولة وكتاب آخر اسمه فوائد العلاج بالثوم ، وغيرها من الكتب التي تخاطب شهوات العقل العربي من شهوة الطعام الى شهوة الجنس الى شهوة اخرى وهي شهوة القيل والقال· وهذه شهوة حديثة يبدع فيها العرب وهي تتمثل في مكوجي تافه أو سمكري ضاق به الحال فألف كتابا عن كواليس الفنانين وما يدور فيها، فالراقصة الفلانية تستقدم دجالا من الهند لفك السحر الذي صنعته لها الراقصة العلانية، والمطربة الفلانية استقدمت دجالا من افريقيا لوضع تعويذة تقي زوجها من مكائد زميلاتها في الوسط الفني، وقد نجحت التعويذة إذ ان هذا الزوج الذي يعتبر أحد رجال الأعمال المرموقين في الوطن العربي كانت المطربة ذاتها قد اختطفته من فوق عشه الهادئ مع زميلتها الفنانة العلانية، ونجحت التعويذة في أن تحتفظ الأخيرة بالمغفل حتى الآن على الرغم من مرور سنتين على هذا الزواج الاختطاف، وبالطبع فإن هذه الفترة كفيلة بأن تدخل هذا الزواج موسوعة جينس للأرقام القياسية·
ومن بين الكتب التي تلفت الانتباه في معارض الكتاب العربية ذلك العنوان الشهير الذي يحمل تحت طياته عناوين فرعية من كتب الفضائح، ومنها عنوان الحكام والملوك العرب قصص جاسوسية، ولا أعلم ماذا يفيد عنوان كهذا، وعنوان آخر يحمل اسم معمول لي عمل وهو يتحدث عن السحر وفك السحر وغيرها من آلام العقل العربي التي لن تنتهي·
أما أطرف العناوين التي تعبر عن مأساة العقل العربي وحاجته لمن يحرره فهو عنوان الشهوة الجنسية وكيف تنميها ، ومع هذا العنوان عناوين كثيرة تصلح افيشهات لأفلام علب الليل في سينما التردي العربي·
بعد جولة سريعة في كل معرض كتاب عربي اسأل نفسي نفس السؤال: ماذا لو دخل هذه المعارض قارئ أجنبي وتبرع فاعل خير وترجم له عددا من عناوين هذه الكتب؟ وماذا يقول هذا القارئ عن ازمة العقل العربي، أم تراه يعتبرها أزمة العجل العربي، وإذا لم نحرر العقل العربي من اسر كتب الشهوات فإننا نعلن ونحن في كامل قوانا العقلية انه عليه العوض في أمة اقرأ ·