التصفيات السياسية النهائية
حين يؤرخ للجرائم السياسية، فالإنسان سيقف طويلاً في مسيرة تاريخه وحضارته عند قضية الانفجارات أو التفجيرات، فالخصوم السياسيون مروا بالكثير من التصفيات وإنهاء رأي الآخر أو الإلغاء من الساحة أو من الحياة، من خنجر في الخاصرة أو الظهر حين يكون الليل هو الضامن للهروب والاختباء أو يمكن أن تغيبه الطرقات غير المنارة، بروتوس شكى من ذلك، علي بن أبي طالب لاقى المصير نفسه، هناك ليل وخيانة وخنجر من الحقد أو التصفية السياسية، هذا الخنجر من حين لآخر- ضمن شريط الحقد والكراهية- يضاف إليه بعض السم ليكون المصير مختوماً ومكتوماً، مثل الذي حدث لعمر بن الخطاب حين دارت رحى صانع الخنجر المسموم والمثلوم قائلاً: إن هذه الرحى سيسمع بها العرب والعجم قاطبة، أما معاوية فكان يدس السم في الدسم أو العسل ويقول: إن لله ملائكة من عسل، هكذا كانت نهاية الحسن، ونهاية خصومه من آل البيت أو من قادة الفتوح الطامحين بعد إنجاز طريق الفتوحات الخارجية الطويلة·
فرقة الحشاشين التي خرجت عن كونها فكرة تنويرية تجادل بالتي هي أحسن وتستخدم الحجة والمنطق والفلسفة الجديدة إلى كونها فرقة انتحارية مارقة خارجة عن الملة ومجتهدة في التفسير، حين تقرّ قتل الآخر ضمن مشروع تحشيشي فدائي قتلي، بحيث يذهب الفاعل القاتل ولا يرجع إلا بعد تصفية خصمه السياسي والفكري أو تصفية نفسه·
أما أكثر الخلفاء تنكيلاً بالخصوم السياسيين أو الفكريين بما فيهم أئمة المذاهب السنية أو الشيعية جميعها فهم، خلفاء بني أمية والعباسيون الذين لم يكونوا يتورعون عن أن يضعوا محمد ابن أبي بكر الصديق في جيفة حمار وتخاط عليه حياً، أو يضعوا إماماً من سلالة الحسين في السجن الانفرادي مدة أربعين عاماً·
جاء الأتراك وفعلوا العجب بقضية الخازوق الذي اخترعوه، محمد علي الكبير جمع خصومه وقدم لهم العشاء الأخير وبعد أن شبعوا غيبهم في بئر وسرداب مظلم بخيولهم وعتادهم·
وفي أوروبا، في عصورها المظلمة كانت الكنيسة تحارب الخصوم وتنعتهم بالزندقة والكفر والخروج عن السلطة الدينية والهرطقة، فكانت تحرق خصومها مع كتبهم أو تشنقهم حاملين صلبانهم المعرفية الجديدة، وفي عصرها الديكتاتوري كان الخصوم السياسيون أو العرقيون يوضعون في معسكرات التعذيب أو أفران الغاز أو النفي إلى مدن الثلج الدائمة، فكانت سيبيريا هي محطتهم الأخيرة قبل القبر البارد أو المعتقلات البعيدة، لكنها تخلصت من الأنظمة الديكتاتورية بعدما دفعت ضريبة الحياة دماً·
أما عند الشعوب العربية والأفريقية وأميركا اللاتينية، فكانت السجون السياسية والتصفيات التي يقوم بها زوّار الفجر والجلاوزة وكلاب الحراسة ومخترعو المؤامرات وقلب نظام الحكم، كانت تصفيات بالسم الجديد والدفن حياً والشتر إلى نصفين والسحل والسجن الإنفرادي لربع قرن والمقابر الجماعية والكيماوي وغيرها·
كانت هذه الجرائم ضد الإنسانية وضد الآدمية وضد التحضر والقيم النبيلة، كانت ضد الكثير من المدنيين وغير الخصوم والأبرياء، وهي مسألة سيتوقف الإنسان المتحضر تجاهها كثيراً، وسيتوقف التاريخ أيضاً، لأنها قلبت مفاهيم كثيرة وحطّت من مصطلحات كثيرة وفرّخت أعوان وإخوان وطالبان وقوضت برجان·· وووو·