كالعادة طفحت الخلافات العربية - العربية قبل أن تنطلق قمة الجزائر، وفي الحقيقة فإن هذه الخلافات ليست قاصرة على قمة الجزائر، بل هي سمة أصيلة في أداء جامعة الدول العربية التي ولدت ميتة، وعلى الرغم من موتها الاكلينيكي والشرعي فإن بعض السذج يتوهمون أن هذه الجامعة سيكون لها في يوم من الأيام القدرة على قيادة العمل العربي المشترك، وهو العمل الذي لا يشترك في شيء ولا يجمع شتاته سوى الفشل·
وعندما انطلقت مسيرة الجامعة العربية قبل نهاية النصف الأول من القرن الماضي كانت أحلامها عريضة، فقد كانت خريطة الأحلام شاملة بدءاً من السياسة ثم الاقتصاد وبعد ذلك الثقافة والشؤون الاجتماعية والعلاقات الدولية وغيرها من المجالات التي تمس حياة المواطن العربي وتؤثر على حياته ومستقبله·
وفي ظل ما يراه بعض المفكرين العرب من أن العرب مجرد ظاهرة صوتية فإن الجامعة العربية لا تزال تعمل وفقاً لهذا المفهوم الذي تتحول معه مؤتمرات القمة الى مؤتمرات للكلام·
ومن شهد اجتماعات القمة العربية يدرك خطورة ما آلت إليه أحوال هذه الجامعة العتيقة، ففي هذه الاجتماعات لا يحمل أحد معه هذه الحقائب الكبيرة التي تنوء بها ظهور وزراء القمة الأوروبية والتي تحمل عشرات الدراسات العلمية التي تخدم مستقبل جيراننا الأوروبيين وتعزز مسيرتهم في الحضارة البشرية، ولا أحد يغلط مرة ويحمل معه لاب توب ولو على سبيل الفشخرة·
وإنما في القمة العربية ما يهم ليس الدراسات والبحوث العلمية ودراسة الواقع واستشراف المستقبل، وإنما المهم هو الكشخة والبروتوكول، من يتكلم أمام من؟ وعندما يتكلم فما المدة المحددة للكلام؟ ومن الذي يليه في الكلام، وفي القمة العربية، أية قمة لا يهم ما يقولوه العرب ولكن المهم والأهم انهم يقولون ويتحدثون·
صدقوني في القمم العربية ما يتناوله جدول الأعمال المعلن يختلف تماماً عما يدور في الكواليس، ففي الكواليس ترتفع ضحكات العرب على أنفسهم ويعلو انتقادهم لما دار في الجلسات، والتي يطلق عليها البعض المكلمات من الكلام، أو اللسانيات من عند اللسان·
في القمم العربية تبدأ القمة وتنتهي ولا يشغل إدارات البروتوكول فيها سوى لون السجادة، وهل تكون حمراء فاتحة أم حمراء خفيفة، وما ماركة السيارات التي تحمل الوفود؟ وأين سينزل الضيوف؟ ومن سيرافق الضيوف؟ ثم تأتي القضية الأخطر التي تشغل القمم دائماً وهي قضية الولائم الرسمية· فماذا نقدم في حفل الغداء الذي يعقب الافتتاح؟ وماذا نقدم في حفل العشاء؟ وما نوعية الطعام وشكل الطاولات، ومن الوفد الذي يكون هنا؟ والوفد الذي يكون هناك؟
زمان قالوا فاقد الشيء لا يعطيه ، والجامعة العربية فاقدة كل شيء، ولم يعد يصبح معها المسكنات أو حتى آخر الدواء وهو الكي ، ولذلك فالقمة العربية التي كانت في الأربعينيات من القرن الماضي هي نفسها القمة العربية التي تتكرر على مدى 60 عاماً، وحسبنا الله ونعم الوكيل في ضغط الدم الذي تورثه لنا كل قمة·
والسؤال الذي يشغلني ماذا يمكن أن تقدم الجامعة العربية حتى لو نفضت هذه الجامعة وولدت من جديد، ماذا يمكن أن تفعل في هذا الواقع العربي الذي لم يعد عصياً على الفهم وهو ينجر كل يوم الى الهاوية؟