كان الهدوء يسود القاعة إلا أصوات 'فلاشات' الكاميرات التي تطربه، عاد بجسده النحيل على مقعده الوثير، كانت عيناه تجولان بين الحضور بقدر من التوتر رغم الابتسامة التي تصنعها على وجهه الدقيق· سارت الأمور كما يريد ولكن أحد الصحافيين 'الفضوليين' كما يراهم باغته بسؤال عن قرار للرجل الذي كان مجرد سكرتير ووجد نفسه مسؤولا عن مصائر مئات البشر·
تغير لونه وامتقع الوجه واقتلع نظارته من فوق أرنبة أنفه، وأعادها لمكانها، قبل أن يضرب بقبضته الطاولة، ثم أرغى وأزبد، وتطايرت الكلمات من فمه المزبد، حتى تداخلت الحروف والألفاظ، وبينما هو هائج مائج، عرف القوم ان السؤال أصاب وترا حساسا في طريقة تسيير الرجل للعمل المنوط به، وهو يعتمد اسلوب' آلوو له' كما في المسرحية الشهيرة' شاهد ما شافش حاجة'·
ولأنه من معتمدي نظرية 'آلوو له' استل قلمه وأصدر فرمانه بإنهاء خدمات العشرات ممن برعوا في مجال عملهم قبل أن ترى عينا صاحبنا الحياة، ولما عرف أي خطأ قد ارتكب، بعدما تضرر من تضرر، عبس وبسر، وحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه، وسبق السيف العذل· ولكن من يحاسب رجلا اعتقد انه 'ربهم الأعلى' في موقع لا يقبل الاخطاء؟·
أما 'حي بن يقظان' فقد اعتقد أنه في ضواحي سيئول أو اوساكا وتوقع أن يخرج الرجل من مكتبه، ويودع سكرتيرته الشقراء، ويدير ظهره للمكتب والمصعد الخاص ليحيي الفراش الذي طالما تفنن في زجره ونهره، ويرتقي السلالم الى سطح المبنى غير مكترث بالهواء الذي أبان نحوله وسط الثوب الفضفاض، ليلقي بنفسه من أعلى المبنى تاركا ورقة اعتذار في جيبه عن اعتناق نظرية 'آلوو له'!·